الجمعة، 10 يونيو 2016

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

 مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة
مقالات فلسفية
المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لاكتشاف الحقائق والمعارف و لقد اكتشف بعد فترات متعاقبة عدة علوم من بينها الرياضيات ، التي تعد علم مجرد يقوم بدراسة الكميات المجردة والقابلة للقياس ،وكميات منفصلة ليس لها علاقة بالواقع مجردة قابلة للقياس وتخص مجال الجير وكميات متصلة لها علاقة بالواقع وتشمل مجال الهندسة ويمكن الجمع بينها بما يسمى الهندسة التحليلية .وحول أصل الرياضيات حدث جدال في الأوساط الفلسفة ، فهناك من يرى ويعتقد أن أصلها عقلي وهناك البعض الأخر يرى أن أصلها هو التجربة. فهل أصلها عقلي أم تجريبي؟
محاولة حل المشكلة :
1-
الموقف الأول "عقلي": يرى العقليين بأن الرياضيات أصلها يعود إلى العقل باعتبار أن العقل يورث من مبادئ فطرية سابقة لتجربة الحسية وتتميز بالدقة والبداهة والوضوح .فكل ما يصدر عن العقل من معاني ومفاهيم يعتبر ضروريا وكليا ومطلقا إذا فالرياضيات هي جملة من المعاني والمفاهيم المجردة التي أنشاها الذهن دون اللجوء إلى الواقع الحسي التجريبي ففي العقل توجد مبادئ قبلية سابقة لتجربة وهذا ما أكده كل من"" أفلاطون وديكارت و كانط" .باعتبارهم أن أصل كل المفاهيم الرياضية هو العقل فأفلاطون "اعتبر أن المعارف والحقائق توجد في عالم المثل من بينها الرياضيات التي تمتاز بالمطلقية و الكمال ولا نستطيع الوصول إلى هذه المعارف إلا بالعقل وحدة.وهو الذي يدركها وهذا ما أكده أيضا" ديكارت "باعتباره أن المفاهيم الرياضية أصلها عقلي لان المعاني الرياضية هي أفكار فطرية موجودة مع وجود الإنسان مثل فكرة الله فهذه الأفكار تتصف بالبداهة واليقين و البساطة وفي هذا يقول" العقل أعدل قسمة بين الناس" وهذا يعني أن القدرات العقلية يشترك فيها جميع الناس ويضيف "كانط" القوال بأن فكرتي الزمان والمكان مجردان و لا علاقة لها بالواقع وبالتجربة و الرياضيات قائمة على هذين المبدأين ، فالزمان يقدر بالجبر والمكان بالهندسة.
النقد: بالرغم من أهمية العقل في إدراك وتجريد المفاهيم والمعاني الرياضية إلا انه لا يمكن أن ترتبط فقط بالمعطيات العقلية بل يمكن أن ترتبط بالتجربة و الواقع الحسي أو التجريبي.
2-
الموقف الثاني: التجريبي": يرى التجريبيون أن الرياضيات أصلها يعود إلى التجربة المعاني والأفكار الرياضية لم تأتي من العدم وبالتالي فهي ليست قبلية خالصة بل هي مستمدة من الواقع الحسي وهذا ما أكده كل من "جون لوك و حون ستيوارت مل و دافيد هيوم " حيث إعتبرو أن الواقع الحسي آو التجريبي هي المصدر اليقيني للمعرفة أي بمختلف الأفكار والمبادئ وبهذا فالتجربة هي أصل الرياضيات وفي هذا يقولون " لايوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة " هذا إضافة إلى آن الطفل يتعلم العد و الحساب بالاعتماد على أصابعه و الحواس و الأشياء الواقعية الحسية و الإنسان البدائي أيضا في عملية حسابه يعتمد على الحصى من الواقع و الأصابع وهذا يعني أن المفاهيم الرياضية بالنسبة إلى الأطفال و البدائيين لا تخرج عن نطاق الحواس و نطاق إدراكهم و هذا إضافة إلى إن تاريخ العلوم يؤكد أن الرياضيات لم يصبح علما يقينيا إلا بعد ما مر بمراحل تجريبية كمجال الهندسة .باعتبار أن المفاهيم و 
النقد: بالرغم من أهمية التجربة الحسية في تكوين المفاهيم الرياضية إلا أن العقل يمكن أن يكون له دور في تبيان طبيعة وحقيقة هذه المفاهيم وبالتالي يمكن إرجاع الرياضيات إلى أصل عقلي.
التركيب : من هنا يمكننا القول أن الرياضيات يعود أصلها إلى التلاوم بين العقل والتجربة فلا وجود لمعاني مثالية خالصة دون اللجوء إلى العالم الخارجي الواقع الحسي و لا وجود للأشياء الحسية في غياب الوعي الإنساني و المفاهيم الرياضية مرتبطة بالعقل والحواس مهما كانت علم مجرد الا أنها ترتبط بالتجربة والمعرفة العقلية اي لها قيمة في عملية التجريد وف هذا يقول كانط " إن المفاهيم الخالية من الحواس عمياء والحواس الخالية من المفاهيم جوفاء"
الخاتمة : نستنتج أن الرياضيات تعود إلى أصول تجريبية وعقلية لأنه لا يمكن الفصل بين العقل والحواس لان مانراه بالحواس ندركه بالعقل.
وفي الأخير أعزائي الطلبة اذا كانت لديكم مشكلة أو استفسار لا تترددوا في طرح أسئلتكم, لدينا مجموعة كبيرة من المقالات الفلسفية , اذا كنتم تريدون الحصول عليها , فقط أتركوا عنوان المقالة من خلال تعليق
نتمنى لكم كل التوفيق و النجاح كما نتمنى ان نكون قد أفدناكم و السلام عليكم
الأخلاق عند علماء الاجتماع ذات طابع اجتماعي فهي نابعة من الواجب كالزام خارجي 'دوركايم'. _المجتمع بعاداته و تقاليده يغرسها في الافراد و يفرضها عليهم. _ان حق الفرد هو نتيجة لواجبات الأخرين نحوه، و لو أن كل فرد قام بواجبه لما وجدنا من يطالب بحقه 'أوجيست كونت' و لذلك فالمطلوب هو القيام بالواجب و ليس المطالبة بالحق. _لا يجوز المطالبة بالحق دون القيام بالواجب، فالواجب سابق لاقرار الحق، وهذا يبرز أولوية الواجبات على الحقوق. _القوانين الوضعية تطلب من الناس القيام بأعمال (واجبات)مقابل أجور(حقوق) فالواجبات أسبق. 
النقد: ان هذه الأطروحة التي تقدم الواجب على الحق تؤدي في النهاية الى تسلط المجتمعات، فمن غير المعقول اقامة عدالة على الواجبات دون الحقوق، فلا يتقبل الناس عدالة تغيب فيها الحقوق، اذ يرهق المجتمع كاهل أفراده بجملة من الواجبات و هذا يؤدي الى حصول التذمر و قد تحدث اضطرابات و ثورات من أجل الحصول على الحقوق (الاستغلال).
التركيب: العدالة تقوم على التوفيق بين الواجبات والحقوق.ان العبرة ليست بأسبقية أحدهما على الأخر و انما باحداث اتزان و توازن بينهما، فبقدر ما يقوم الفرد بواجبات بقدر ما ينال حقوقا في مقابلها تتماشى مع طبيعة هذه الواجبات. _كما أن القوانين الوضعية الحالية بواجبات مقابل حقوق معينة، واذا كان الحق ادعاءا تم تبريره بواسطة المجتمع فالواجب يعد بمثابة الالتزام ،يلزم الفرد ذاته به في مقابل التمتع بالحق الذي يحدده المجتمع، وكل هذا يهدف الى الصالح العام و من ثم تحقيق العدالة الاجتماعية
.
حل الاشكالية
نخلص الى أن العبرة في العدالة ليست بأسبقية الحق أو العكس و انما باحداث نوع من الاتزان المعقول بين ما يقوم به الفرد من واجبات و بين ما يتمتع به من حقوق، سواءا حدد الحق قبل الواجب أم حدد الواجب أولا ثم في مقابله حدد الحق ، فالعبرة في احداث نوع من المساواة دون تغليب أحدهما



هل ترى أن تحقيق الديمقراطية السياسية كفيل بتجسيد الغاية من وجود الدولة ؟

هل ترى أن تحقيق الديمقراطية السياسية كفيل بتجسيد الغاية من وجود الدولة ؟ مقالة جدلية

طرح المشكلة:وصف الفلاسفة الانسان منذ القديم بأنه كائن مدني بطبعه ؛ فحياته لا تقوم و لا تستمر الا في ظل وجود سلطة تحكمه حتى أنّ أرسطو اعتبر الدولة من الأمور الطبيعية ، و الواقع يجعلنا نميز بين نوعين من أنظمة الحكم نظام حكم فردي ترتكز فيه السلطة في يد شخص واحد، ونظام حكم جماعي أو ما يعرف بالديمقراطي الذي يعبر عن إرادة الشعب و يهني حكم الشعب نفسه بنفسه. لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا حول أفضل طريقة لممارسة الديمقراطية فرأى البعض أن ّ الديمقراطية إنما وُجدت لأجل تحقيق غايات أسمى ؛ هي بالأساس حماية الحريات العامة للأفراد وكذا ضمان حقوقهم، و رأى البعض الاخر أنّ أفضل طريقة لتحقيق الديمقراطية هي تقديس المساواة الاجتماعية. من هنا يمكننا التساؤل هل الديمقراطية السياسية هي أفضل نظام لحفظ الدولة و تحقيق الاستقرار السياسي ؟، أم أنه لا يمكن تصورّ الديمقراطية إلا في ظل المساواة الاجتماعية ؟
محاولة حلالمشكلة :
عرض منطق الأطروحة : يرى أنصار المذهب الليبرالي ودعاة الحرية الفردية ، أنّ تحقيق نظام سياسي راشد يجسد الغاية من وجود الدولة ، مرهون بإقرار الديمقراطية السياسية الليبرالية كنظام حكم أو كما تسمى الديمقراطية الدستورية ، والذي هو – دون شك – النظام الوحيد الذي يصون حريات الأفراد ويضمن حقوقهم ويحقق العدالة بينهم، و أهم هؤلاء فلاسفة عصر التنوير الذين تميزوا بالتقدير العالي للحرية ومنهم الفيلسوف الانجليزي جون لوك John Locke (1704-1632) و عالم الاجتماع الفرنسي مونتسكيو Montesquieu ( 1755-1689) و الفيلسوف الألماني هيغل Hegel (1770-11831) ،و مواطنه عالم الاجتماع ماكس فيبر Max Weber ( 1864-1920).
الحجج و البراهين : وما يثبت ذلك ، الديمقراطية السياسية أو الليبرالية تنادي بالحرية في جميع المجالات ؛ أولها الحرية الاقتصادية التي تعني حرية الفرد في التملك والإنتاج والتسويق والاستثمار ... دون تدخل الدولة ، لأن وظيفة الدولة سياسية تتمثل بالخصوص في ضمان وحماية الحريات والحقوق الفردية ، وتدخلها معناه تعديها على تلك الحريات والحقوق و هذا يشمل الملكية و المنافسة و حرية التجارة و المنفعة الفردية، وفي هذا السياق تظهر أفكار سبينوزا الرافضة لفكرة التخويف التي تعتمد عليها الأنظمة الاستبدادية و هو يرى أنّ السلطة الحقيقية هي التي تحمي حرية الفكر و تضمن المشاركة السياسية للأفراد حيث يقول سبينوزا: « لم توجد الدولة لتحكم الانسان بالخوف و إنما وجدت لتحرر الفرد من الخوف ». إنّ كل فرد في هذه الديمقراطية حر في أن يملك ما يشاء من ثروة ، و حر في تصرفاته و أعماله الخاصة و هو في النهاية مسؤول عن نتائجها يقول هنري ميشال Henri michel : « الغاية الأولى للديمقراطية هي الحرية »، ومن الناحية التاريخية تعتبر الثورة الفرنسية 1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملت لواء الديمقراطية السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب توماس جفرسون Thomas Jefferson (1743-1826) رئيس الو.م.أ في القرن 19في صياغته للدستور الأمريكي الى مطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد في الحياة و التفكير.
. وثانيا الحرية الفكرية والشخصية ، التي تعني إقرار حق الفرد في التعبير وضمان سرية الاتصالات والمراسلات وضمان حرية العقيدة والتدين . وأخيرا الحرية السياسيةكحق الأفراد في إنشاء الأحزاب السياسية بتوجهاتها المختلفة أو الانخراط فيها بشكل حر ، و التداول على السلطة ، و المشاركة في صنع القرار، كما أن للفرد الحق في المعارضة ، وكذا المشاركة في اتخاذ القرارات عن طريق النواب الذين ينتخبهم لتمثيله والتعبير عن إرادته ، و حرية الرأي و التعبير و النشر و الإعلام والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة ، و حرية الأفراد في العبادة والدعوة ،حرية التنقل؛ حقهم في إنشاء الجمعيات الثقافية و النقابات التي تدافع عن مصالحهم المادية و المعنوية في العمل ، حقهم في الملكية و المنافسة و حرية التجارة و المنفعة الفردية . إنّ كل فرد في هذه الديمقراطية حر في أن يملك ما يشاء من ثروة ، و حر في تصرفاته و أعماله الخاصة و هو في النهاية مسؤول عن نتائجها ، هكذا يجد كل واحد فرصة لتجسيد أفكاره و إبراز مواهبه و تحقيق أهدافه و يساهم في بناء الدولة بمبادرته الخاصــــــــة، يقول هيغل : « الدولة الحقيقية هي التي تصل فيها الحرية الى أعلى مراتبها »
.كما أن الديمقراطية السياسية تقوم على فصل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية .. مما يعني أنّ القضاء مستقل ، ومن شأن ذلك ان يحقق العدل بين الأفراد الذين يضعهم القانون على قدم المساواة .و يعتبر مونتسكيو أول من دعا الى فصل السلطات عن بعضها البعض حيث يقول : « في الدولة الحرة يحكم كل إنسان حر نفسه بنفسه » .
أما العدالة الاجتماعية – التي تعد من أهم الغايات التي جاءت من أجلها الدولة – فإنّ الديمقراطية السياسية تراعي في تحقيقها احترام الفروق الفردية ، باعتبار أنّ الأفراد متفاوتون في القدرات والمواهب وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول .. وبالتالي ينبغي الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه، لذلك يقول أحد المفكرين: « إنّ فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة في الإيديولوجيات الديمقراطية و ليست المساواة » .

النقد: لكن نظام حكم بهذا الشكل ناقص ؛ فالديمقراطية السياسية تهتم بالجانب السياسي و تهمل الجانب الاجتماعي ، حيث تنادي بالحرية فقط دون الاهتمام بالمساواة بين الأفراد اجتماعيا واقتصاديا ، والحرية السياسية والفكرية لا تعني شيئا لمواطن لا يكاد يجد قوت يومه .
ومن جهة ثانية ، أن غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية أدى الى غياب المساواة السياسية ، فالأحزاب والجمعيات بحاجة الى وسائل إعلام ( صحف ، محطات إذاعية وتلفزية .. ) لتعبر عن إرادتها ، وبحاجة الى دعاية لتروج لأفكارها .. وهذا كله بحاجة الى رؤوس أموال التي لا تتوفر الا عند الرأسماليين الكبار ، والنتيجة أصبحت الطبقة المسيطرة اقتصاديا مسيطرة سياسيا ، أي سيطرة الرأسماليين على دواليب الحك إذ معروف أنّ الأثرياء و أصحاب الثروات يسيطرون على الحياة السياسية و يوجهونها كيفما شاءوا؛ فقد استبشر الجميع خيرا عندما تم اختيار الرئيس الحالي للو.م.أ باراك أوباما ولد سنة 1961 Barack Obama لكن سياسته لم تختلف عن سابقه جورج بوش الابن و هذا بسبب سيطرة الشركات المصنعة للأسلحة و التي تفرض على كل رئيس أمريكي أن يدخل في حرب م .
عرض نقيض الأطروحة : وبخلاف ما سبق ، يرى أنصار المذهب الاشتراكي ودعاة المساواة ، أن النظام السياسي الذي من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الظلم والغبن والاستغلال هو إقرار الديمقراطية الاجتماعية ، التي هي الديمقراطية الحقيقية التي تحقق المساواة والعدل ، وتجسد – من ثـمّ – الغاية التي وجدت الدولة من أجلها .، وأهم هؤلاء الفيلسوف الألماني كارل ماركس Karl Marx (1883-1818) و زميله فريدريك انجلز Friedrich Engels ( 1895-1820)
و أول رئيس للاتحاد السوفياتي القائد الثوري فلاديمير لينين Vladimir 
الحجج و البراهين : وما يؤكد ذلك ، أنّ أساس الديمقراطية الاشتراكية هو المساواة الاجتماعية ، عن طريق القضاء على الملكية الفردية المستغِلة التي أدت الى بروز الطبقية الفاحشة ، وقيام ملكية جماعية يتساوى فيها الجميع بتساويهم في ملكية وسائل الإنتاج .لذلك قال انجلز: « الاشتراكية ظهرت نتيجة صرخة الألم و معاناة الانسان »كما تنادي هذه الديمقراطية بضرورة تدخل الدولة في إقرار مبدأ تكافؤ الفرص بين كل الأفراد ومساواتهم في الشروط المادية والاجتماعية ، مما يؤدي الى القضاء على كل مظاهر الظلم واستغلال الانسان لأخيه الانسان ، وذلك أن الديمقراطية السياسية لم تنجح في خلق عدالة اجتماعية و بدل الدفاع عن المساواة بين الأفراد جسدت الطبقية في أوضح صورها بين من يملك و الذي لا يملك وبذلك تتحقق المساواة الفعلية والعدالة الحقيقية بين كل فئات الشعب، ولهذا قال الكاتب الفرنسي أناتول فرانس Anatole France(1844-1924) : « الذين ينتجون الأشياء الضرورية للحياة يفتقدونها ،و هي تكثر عند الذين لا ينتجونها » ، و من هذا المنطلق رفع كارل ماركس شعاره: « يا عمال العالم اتحدوا » فالديمقراطية الاجتماعية ترمي الى الربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية ومن أجل تحقيق هذا الهدف اعتمدت على مجموعة من المبادئ أهمها الاعتماد على سياسة الحزب الواحد و هذا الحزب يلعب دور الموجه و المراقب و مهمته الأساسية خلق الوحدة الوطنية من خلال تركيز جميع الجهود في مسار واحد بدل تشتيت القوى كما هو حاصل في الديمقراطية السياسية؛ فجوهر العمل السياسي هو خدمة الجماهير و إزالة الفوارق الطبقية حيث يقول كارل ماركس : « ليس الوعي العام للناس هو ما يحدد وجودهم ولكن الوجود الاجتماعي و الاشتراكي هو ما يحدد وعيهم » ،كما يقول لينين : « سيقوم الجميع في ظل الاشتراكية بالحكم كل في دوره بالتالي سيعتادون على ألا يحكم أحد »، ويقول أيضا: « يجب أن يكون كل طباخ قادرا على إدارة البلاد» و الذي صرح أيضا في مجلس العمال بعد قيادته لثورة كبيرة ضد الحكم الملكي في روسيا : « فلتحيا الثورة الاشتراكية العالمية» و اقترح وقف قتال في كل الجبهات و نقل الأراضي من الملاك و العرش الملكي و الأديرة الى الجمعيات الزراعية بدون أية تعويضات، و بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الاشتراكية ذات تأثير متزايد فيما يسمى بالعالم الثالث فأممت دول بإفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية الصناعات التي امتلكها ملاك أجانب أما الاتحاد السوفياتي فأصبح قوة عظمى هذا الانجاز أقنع العديد من القوميين في دول العالم الثالث بأن يسلكوا سبيل الاشتراكية خاصة في الصين و مصر و الهند حيث حاولت استيراد التجربة السوفياتية و قد امتد تأثير الديقراطية الاشتراكية حتى في الدول الليبرالية نفسها حيث يعتبر حزب العمال الأسترالي و هو أول حزب عمال ديمقراطي اشتراكي في العالم تم تأسيسه عام 1891 و في عام 1904 انتخب الأستراليون أول رئيس وزراء عضو في هذا الحزب و هو كريس واتسون كما سيطرت الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية قي سياسات ما بعد الحرب العالمية في دول ليبرالية كثيرة مثل فرنسا و ايطاليا و تشيكوسلوفاكيا و البلجيك و النرويج، أما في السويد فقد تقلد الحزب الديمقراطي الاشتراكي السلطة من 1936الى 1976؛ ومن 1976 الى 1982 ؛ و من 1994 الى2006 . وحتى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحالية يرى معظم المتتبعين أن ممثل الحزب الاشتراكي فرانسوا هولا ند )ولد François Hollande (1954 هو الأوفر حظا للفوز مقارنة بخصمه الليبرالي نيكولا ساركوزي Nicolas Sarkozy(ولد سنة 1955) .
النقد : إنّالمناداة بالمساواة نظريا لا يعني بالضرورة تحقيقها فعليا ، ومن جهة أخرى فاهتمام الديمقراطية الاشتراكية بالجانب الاجتماعي وإهمالها الجانب السياسي أدى الى خلق أنظمة سياسية شمولية ديكتاتورية مقيدة للحريات، محولة بذلك أفراد المجتمع الى قطيع. فقد أهملت الجانب السياسي و الاقتصادي و ركزت على الجانب الاجتماعي فقط إذ ما يعاب عليها الفصل بين النظرية و التطبيق فبدل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية تحول العمل السياسي إلى خدمة أفراد الحزب الواحد الحاكم ، فقضت على المبادرات الفردية و ضيقت دائرة الحرية حتى أصبحت شبيهة بالحكم الاستبدادي و هذا ما يتعارض مع الطبيعة الإنسانية القائمة على حبّ الحرية ، و أنّ سقوط الأنظمة الاشتراكية الواحدة بعد الأخرى خاصة في أوروبا الشرقية أحسن دليل على ذلك..

التركيب : في الحقيقة إن المجتمع الذي يتوخى العدل هو المجتمع الذي يتبنى الديمقراطية نظاما لحياته ، تلك الديمقراطية التي ينبغي لها أن تهتم بالجانب السياسي فتضمن حريات الأفراد وتحمي حقوقهم ، كما ينبغي لها أيضا أن تهتم بالجانب الاجتماعي فتعمل على إقامة مساواة فعلية حقيقية بينهم ، فتتحقق بذلك العدالة ، وتتجسد وظيفة الدولة الأصيلة
الرأي الشخصي: لكن من وجهة نظري فان الديمقراطية يجب أن تتضمن الحرية والمساواة معا لان الحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع دون استثناء فالمسألة هنا يجب النظر إليها من زاوية الكيف و ليس الكم و هذا ما أكد عليه مبدأ الشورى في الإسلام في قوله تعالى: « و شاورهم في الأمر » فالشورى تشترط الحوار و الحوار يدل على الحرية وقوله كذلك جل ثناؤه:« و أمرهم شورى بينهم ».
حلالمشكلة : وهكذا يتضح ، أن الديمقراطية السياسية – كنظام حكم – لا تحقق الغاية التي وجدت من أجلها الدولة ، لإهمالها جانبا مهما هو المساواة الاجتماعية التي هي روح العدالة الحقيقية . وعليه فالنظام السياسي الراشد هو الذي يضمن حرية الأفراد سياسيا ويساوي بينهم اجتماعيا و بتعبير اخر الديمقراطية الحقيقية هي التي تتأسس على المساواة والحرية معا يقول ألكسيس توكفيل : «إن الديمقراطية ليست نظاما سياسيا فحسب بل هي أسلوب حياة » . 

هل ترجع عملية الابداع الى شروط نفسية فقط ؟ جدلية


هل ترجع عملية الابداع الى شروط نفسية فقط ؟ جدلية
I- طرح المشكلة : إن الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، وذلك ما يكشف عن اختلافه عن ماهو مألوف ومتعارف عليه ، وعن تحرره من التقليد ومحكاة الواقع . ومن جهة أخرى ، فإن عدد المبدين – في جميع المجالات – قليل جدا مقارنة بغير المبدعين ، وهو ما يوحي ان تلك القلة المبدعة تتوافر فيها صفات وشروط خاصة تنعدم عند غيرهم ، فهل معنى ذلك ان الابداع يتوقف على شروط ذاتية خاصة بالمبدع ؟
II– محاولة حل المشكلة :
أ – عرض الاطروحة : يرى بعض العلماء ، ان الابداع يعود اصلا الى شروط نفسية تتعلق بذات المبدع وتميزه عن غيره من غير المبدعين كالذكاء وقوة الذاكرة وسعة الخيال والاهتمام والارادة والشجاعة الادبية والجرأة والصبر والرغبة في التجديد .. اضافة الى الانفعالات من عواطف وهيجانات مختلفة . ومن يذهب الى هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي ( هنري برغسون ) والعالم النفساني ( سيغموند فرويد ) الذي يزعم ان الابداع يكشف عن فاعلية اللاشعور وتعبير غير مباشر عن الرعبات المكبوتة .
ب – الحجة : ويؤكد ذلك ، أن استقراء حياة المبدعين – في مختلف ميادين الابداع – يكشف ان هؤلاء المبدعين انما يمتازون بخصائص نفسية وقدرات عقلية هيأتهم لوعي المشاكل القائمة وايجاد الحلول لها .
فالمبدع يتصف بدرجة عالية من الذكاء والعبقرية ، فإذا كان الذكاء – في احد تعاريفه – قدرة على حل المشكلات ، فإنه يساعد المبدع على طرح المشاكل طرحا صحيحا وايجاد الحلول الجديدة لها . ثم ان المبدع في تركيبه لأجزاء وعناصر سابقة لإبداع جديد انما يكشف في الحقيقة عن علاقة بين هذه الاجزاء او العناصر ، والذكاء – كما يعرف ايضا – هوادراك العلاقات بين الاسشياء اوالافكار .
واصل كل ابداع التخيل المبدع ، والتخيل – اصلا – هو تمثل الصور مع تركيبها تركيبا حرا وجديدا ، لذلك فالابداع يقتضي مخيلة قوية وخيالا واسعا خصبا ، فكلما كانت قدرة الانسان على التخيل اوسع كلما استطاع تصور صور خصبة وجديدة ، وفي المقابل كلما كانت هذه القدرة ضيقة كان رهينة الحاضر ومعطيات الواقع .
ويشترط الابداع ذاكرة قوية ، فالعقل لا يبدع من العدم بل استنادا الى معلومات وخبرات سابقة التي تقتضي تذكرها ، لذلك فالذاكرة تمثل المادة الخام والعناصر الاولية للابداع .
هذا ، واستقراء حياة المبدعين وتتبع اقوالهم وهم يصفون حالاتهم قبل الابداع اواثنائه ، يؤكد دور الارادة والاهتمام في عملية الابداع ، فمن كثرة اهتمام العالم الرياضي الفرنسي ( بوانكاريه ) بإيجاد الحلول الجديدة للمعادلات الرياضية المعقدة ، غالبا ما كان يجد تلك الحلول وهو يضع قدميه على درج الحافلة ، وهذا ( ابن سينا ) قبله من شدة اهتمامه بمواضيع بحثه كثيرا ما كان يجد الحلول للمشكلات التي استعصت عليه اثناء النوم . والعالم ( نيوتن ) لم يكتشف قانون الجاذبية لمجرد سقوط التفاحة ، وانما كان يفكر باهتمام بالغ وتركيز قوي في ظاهرة سقوط الاجسام ، وما سقوط التفاحة الا مناسبة لاكتشاف القانون .
وما يثبت دور الحالات الوجدانية الانفعالية في عملية الابداع ان التاريخ يثبت – على حد قول برغسون – ان « كبار العلماء والفانين يبدعون وهم في حالة انفعال قوي » . ذلك ان معطيات علم النفس كشفت ان الانفعالات والعواطف القوية تنشط المخيلة التي هي المسؤولة عن عملية الابداع . وبالفعل ، فاروع الابداعات الفنية والفكرية تعبر عن حالات وجدانية ملتهبة ، فلقد اجتمعت عواطف المحبة الاخوية والحزن عند ( الخنساء ) فأبدعت في الرثاء .
ولما كان الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، فماهو جديد – في جميع المجالات – يقابل برفض المجتمع لتحكم العادة ، فمثلا افكار( سقراط ) و ( غاليلي ) قوبلت بالرفض والاستنكار ، ودفعا حياتهما ثمنا لافكارهما الجديدة ، وعليه فالمبدع اذا لم يتصف بالشجاعة الفكرية والادبية والروح النقدية والميل الى التحرر .. فإنه لن يبدع خشية مقاومة المجتمع له .
جـ - النقد : ولكن الشروط النفسية المتعلقة بذات المبدع وحدها ليست كافية لحصول الابداع ، إذ معنى ذلك وجود ابداع من العدم . والحقيقة انه مهما طالت حياة المبدع فانه من المحال ان يجد بمفرده اجزاء الابداع ثم يركبها من العدم . ومن جهة أخرى ، فالذكاء – الذي يساهم في عملية الابداع – وان كان في اصله وراثيا ، فإنه يبقى مجرد استعدادات فطرية كامنة لا تؤدي الى الابداع مالم تقم البيئة الاجتماعية بتنميتها وابرازها . كما يستحيل الحديث عن ذاكرة فردية محضة بمعزل عن المجتمع . واخيرا ، فإن ان هذه الشروط حتى وان توفرت فهي لا تؤدي الى الابداع مالم تكن هناك بيئة اجتماعية ملائمة تساعد على ذلك . وهذا يعني ان للمجتمع نصيب في عملية الابداع .
أ – عرض نقيض الاطروحة : وعلى هذا الاساس ، يذهب الاجتماعيون الى ان الابداع ظاهرة اجتماعية بالدرجة الاولى ، تقوم على ما يوفره المحتمع من شروط مادية او معنوية ، تلك الشروط التي تهيئ الفرد وتسح بالابداع . وهو ما يذهب اليه انصار النزعة الاجتماعية ومنهم ( دوركايم ) الذي يؤكد على ارتباط صور الابداع المختلفة بالاطر الاجتماعية .
ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان الابداع مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية اما لجلب منفعة او دفع ضرر ، فالحاجة هي التي تدفع الى لابداع وهي ام الاختراع ، وتظهر الحاجة في شكل مشكلة اجتماعية ملحة تتطلب حلا ، فإبـداع ( ماركس ) لفكرة " الاشتراكية " انما هو حل لمشكلة طبقة اجتماعية مهضومة الحقوق ، و اكتشاف ( تورشيلي ) لقانون الضغط جاء كحل لمشكلة اجتماعية طرحها السقاؤون عند تعذر ارتفاع الماء الى اكثر من 10.33م .
كما ان التنافس بين المجتمعات وسعي كل مجتمع الى اثبات الوجود ما يجعل المجتمع يحفز افراده على الابداع ويوفر لهم شروط ذلك ؛ فاليابان – مثلا – لم تكن شيئا يذكر بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن تنافسها الاقتصادي مع امريكا واروبا الغربية جعل منها قوة خلاقة مبدعة . كما ان التنافس العسكري بين امريكا والاتحاد السوفياتي سابقا ادى الابداع في مجال التسلح .

كما ترتبط ظاهرة الابداع بحالة العلم والثقافة القائمة ؛ وما يثبت ذلك مثلا انه من المحال ان يكتشف المصباح الكهربائي في القرن السابع ، لأنه كإبداع يقوم على نظريات علمية رياضية فيزيائية لم تكن متوفرة وقتذاك . ولم يكن ممكنا اكتشاف الهندسة التحليلية قبل عصر ( ديكارت ) ، لأن الجبر والهندسة لم 

يبلغا من التطور ما يسمح بالتركيب بينهما . ولم يبدع شعراء كبار مثل ( المتنبي ، أبو تمام .. ) الشعر المسرحي في عصرهم ، لأن الادب المسرحي لم يكن معروفا حينذاك . وتعذر على ( عباس بن فرناس ) الطيران ، لأن ذلك يقوم على نظريات علمية لم تكتشف في ذلك العصر .
ويرتبط الابداع – ايضا - بمختلف الظروف السياسية ؛ حيث يكثر الابداع اليوم في الدول التي تخصص ميزانية ضخمة للبحث العلمي وتهيئ كل الظروف التي تساعد عى الابداع . ولقد عرفت الحضارة الاسلامية ازهى عصور الابداع ، لما كان المبدع يأخذ مقابل ابداعه ذهبا وتشريفا .
جـ - النقد : غير ان التسليم بأن الشروط الاجتماعية وحدها كافية لحصول الابداع يلزم عنه التسليم ايضا ان كل افراد المجتمع الواحد مبدعين عند توفر تلك الشروط وهذا غير واقع . كما ان الاعتقاد ان الحاجة ام الاختراع غير صحيح ، فليس من المعقول ان يحصل اختراع او ابداع كلما احتاج المجتمع الى ذلك مهما وفره من شروط ووسائل . وما يقلل من اهمية الشروط الاجتماعية هو ان المجتمع ذاته كثيرا ما يقف عائقا امام الابداع ويعمل على عرقلته ، كما كان الحال في اروبا إبّـان سيطرة الكنيسة في العصور الوسطى .
التركيب : ان الابداع كعملية لا تحصل الا اذا توفرت لها شروط ذلك ، فهي تتطلب اولا قدرات خاصة لعلها لا تتوفر عند الكثير ، مما يعني ان تلك القلة المبدعة لم تكن لتبدع لولا توفرها على تلك الشروط ، غير انه ينبغي التسليم ان تلك الشروط وحدها لا تكفي ، فقد تتوفر كل الصفات لكن صاحبها لا يبدع ، مالم يجد مناخ اجتماعي مناسب يساعده على ذلك ، مما يعني ان المجتمع يساهم بدرجة كبيرة في عملية الابداع بما يوفره من شروط مادية ومعنوية ، مما ؤدي بنا الى القول ان الابداع لا يكون الا بتوفر الشروط النفسية والاجتماعية معا .
حل المشكلة : وهكذا يتضح ان عملية الابداع لا ترجع الى شروط نفسية فقط ، بل وتتطلب بالاضافة الى ذلك جملة من الشروط الاجتماعية فالشروط الاولى عديمة الجدوى بدون الثانية ، الامر الذي يدعونا ان نقول مع ( ريبو ) : « مهما كان الابداع فرديا ، فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي » .


هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟ فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة؟

هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟

فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة
؟
إذا كانت الفلسفة عموما تفكيرا في الوجود الانساني، وفي الأبعاد والظواهر المختلفة التي يتضمنها هذا الوجود، فمن البديهي أن تثير اللغة - بوصفها ظاهرة إنسانية- اهتمام الفلاسفة. ولقد عُرّف الانسان بكونه حيوانا ناطقا أو متكلما، وهو نعت يقتضي ضرورة الوجود المسبق للغة، التي تتعدد خدماتها وتتنوع وظائفها: فهي تفيد التبليغ، وتسمح بتحقيق التواصل، وكذلك التعبير عما يخالج الذات. إلّا أنّ كثيرا ما تنتاب المرء فكرة أو إحساس يتأخر أو يعجز عن إيجاد التعبير المناسب له، كما يحدث له في أحيان أخرى أن يفكر تفكيرا داخليا صامتا، ومن هذا المنطلق، فقد شغلت العلاقة بين اللغة والفكر بال فلاسفة اللغة وعلمائها؛ فاعتقد البعض منهم أن هناك تطابق مطلق بينهما، ولاوجود لأفكارٍ لا تستطيع اللغة التعبير عنها، واعتقد آخرون أن هناك انفصال بين اللغة والفكر، مما يلزم عنه إمكانية تواجد أفكار تعجز اللغة عن التعبير عنها وتوصيلها للغير، فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة؟ بمعنى آخر: هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟

عرض الاطروحة: يرى أنصار الاتجاه الثنائي، أنه لا يوجد تطابق وتناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ، فالفكر أسبق من اللغة وأوسع منها، وأنّ ما يملكه الفرد من أفكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات، فاللغة والفكر منفصلان، واللغة ليست سوى أداة، وأداة قاصرة لا تخدم الفكر إلا جزئيا، بل هي على ما يرى برغسون تحجب الفكر والواقع.

الحجة: يميز أفلاطون (.347قم،428ق.م) بين عالمين موجودين هما: عالم المثل وهو العالم الحقيقي، عالم الفكر والمعقولات والحقائق المطلقة الكاملة، وبين عالم المحسوسات وهو عالم يأتي في المرتبة السفلى، لأنه عالم أشباه الحقائق والظلال (المحسوسات والعالم المادي). أما اللغة فهي معبرة عن عالم الأشياء المحسوسة، وهكذا يعطي أفلاطون الأسبقية للفكر على اللغة، فللفكر أسبقية أنطولوجية (وجودية) على اللغة أي أنه سابق في الوجود عليها، فمستودع الأفكار عند افلاطون هو عالم المثل، فالأفكار المطلقة توجد في هذا العالم بدون كلمات لأن اللغة تنتمي إلى عالم المحسوسات، وبالتالي فاللغة ليست سوى أداة للتعبير عن فكر سابق عليها.
واعتبر ديكارت (1596- 1650) الفكر واللغة من طبيعتين متناقضتين، كل منهما يشكل كيانا قائما بذاته مستقلا عن الآخر، فالفكر جوهر روحي خاصيته الوحيدة هي التفكير، بينما اللغة مظهرها مادي (الصوت، الكتابة) لذلك فهي في خدمة الفكر، وهي التي تنتجه. ولذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة انفصال واستقلال، والأسبقية هنا للفكر.
أما شوبنهاور (1788-1860) فقد اعتبر أن الفكر منفصل تمام الانفصال عن اللغة، فالأفكار تموت لحظة تجسدها في كلمات، وهذا ما يبرر استقلالية الفكر عن اللغة.
يقول برغسون: وهو أحد أنصار الاتجاه الثنائي: "ليست الموضوعات الخارجية و حدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل". وقال أيضا: "وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟".
فالإنسان كثيرا ما يدرك كماً زاخراً من المعاني والافكار تتزاحم في ذهنه، وفي المقابل لا يجد إلّا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني والافكار. كما قد يفهم أمرا من الامور ويكوّن عنه صورة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد، فإذا شرع في التعبير عما حصل في فكره من أفكار عجز عن ذلك. كما قد يحصل أن نتوقف – لحظات – أثناء الحديث أو الكتابة بحثا عن كلمات مناسبة لمعنى معين، أو نقوم بتشطيب أو تمزيق ما نكتبه ثم نعيد صياغته من جديد... وفي هذا المعنى يقول برغسون: «إننا نملك أفكارا اكثر مما نملك اصواتا» .
وقد تؤدي الألفاظ إلى قتل المعاني وتجمد حيويتها وحركتها، بينما المعاني مبسوطة ممتدة وغير نهائية بل تتطور أسرع من الألفاظ، فالفكرة أغنى من اللفظ إذ يمكن التعبير عنها بألفاظ مختلفة، بينما الألفاظ معدودة ومحدودة، بل قيمتها لا تكون إلا من خلال ما تنطوي عليه من معان ومفاهيم وتصورات.
وفي الاتجاه نفسه يشتكي المتصوفة عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق، فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية. فهذا الحلاج كان يقول: "ليس في الجبة إلاّ الله". وهذا البسطامي يقول: "سبحاني ما أعظم شأني" وربما هذا ما قصده فاليري في قوله :"إن أجمــــل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها" .

النقد: لكن القول أن الفكر أوسع من اللغة وأسبق منها ليس إلّا مجرد افتراض وهمي، فإذا كنا ندرك معانٍ ثم نبحث لها عن ألفاظ ما يبرر أسبقية الفكر على اللغة، فإنّ العكس قد يحدث أيضا، حيث نردد ألفاظ دون حصول معانٍ تقابلها وهو ما يعرف في علم النفس بـ "الببغائية"، أفلا يعني ذلك أن اللغة أسبق من الفكر؟
وحتى لو سلمنا جدلا بوجود أسبقية للفكر على اللغة فإنها مجرد أسبقية منطقية لا زمنية؛ فالإنسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد. والواقع يبيّن أن التفكير يستحيل أن يتم بدون لغة؛ فكيف يمكن أن تتمثل في الذهن تصورات لا اسم لها؟ وكيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب لغوية؟ ثم لو كانت اللغة عاجزة عن التعبير عن جميع أفكارنا فالعيب قد لا يكون في اللغة، بل في مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن أفكاره .
هذا الرأي بالغ في تمجيد الفكر والتقليل من شأن اللغة، الأمر الذي جعل الفكر نشاطا أخرسا، وهذه النتيجة لا تؤكدها معطيات علم النفس الذي أثبت أن الطفل يتعلم الفكر واللغة في آن واحد، لذلك قال هيغل: "نحن نفكر داخل الكلمات"، وإلى نفس الاتجاه ذهب غوسدروف حيث قال: "التفكير ضاج بالكلمات".

نقيض الاطروحة :وعلى خلاف الرأي السابق، يذهب أنصار الاتجاه الاحادي، إلى أن هناك تناسب بين الفكر واللغة، وعليه فعالم الافكار يتطابق مع عالم الالفاظ، أي أن معاني الافكار تتطابق مع دلالة الالفاظ، ولا وجود لأفكار خارج إطار اللغة، فبين اللغة والفكر اتصال ووحدة عضوية وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة، باعتبار «أن الفكر لغة صامتة واللغة فكر ناطق

الحجة: إن الطرح اللساني المعاصر مع دوسوسير (1857-1913) يؤكد على العلاقة الوظيفية بين اللغة والفكر، ذلك أنه لا تقتصر وظيفة اللغة تجاه الفكر في تقديم أداة صوتية مادية تتيح له أن يظهر وينكشف فحسب، بل توفر له أيضا إمكانية أن يتجزأ أو ينقسم، ويتخذ لنفسه شكلا وهيئة. يقول دوسوسير: "اللغة شبيهة بورقة، الفكر وجهها والصوت قفاها" ويقول زكي نجيب محمود: "الفكر هو التركيب اللفظي أو الرمزي لا أكثر ولا أقل".
إن اللغة إذن هي الشكل الوحيد لوجود الفكر، إنهما (اللغة والفكر) وجهان لعملة واحدة مترابطان ومتلاحمان، بحيث لا يمكن تصور الفكر خارج اللغة. فالأفكار تبقى عديمة المعنى في ذهن صاحبها ما لم تتجسد في الواقع، ولا سبيل الى ذلك إلّا ألفاظ اللغة التي تدرك إدراكا حسيا، فاللغة – إذن – هي التي تبرز الفكر من حيز الكتمان إلى حيز التصريح، ولولاها لبقي كامنا عدما، لذلك قيل: «الكلمة لباس المعنى ولولاها لبقي مجهولا
يرى ميرلوبونتي (1908-1961) أنه ليس للفكر باطن، لأنه ليس من شأن الفكر أن يوجد خارج الألفاظ. فالمعنى يسكن اللفظ، والفكر لابد أن يتجسّد في عبارات. إن اللغة في نظر ميرلوبونتي ليست مجرد لباس خارجي للفكر، بل هي حضور للفكر نفسه في صميم العالم المحسوس. فالفكر والكلام يتكونان في آن واحد، وهما عملية ذهنية واحدة، تتم دفعة واحدة. ولا يمكن اعتبار الكلام مجرد علامة على وجود الفكر، مثلما الأمر بالنسبة لعلاقة الدخان بالنار، وهو ما نفهم منه رفض ميرولوبونتي بقول أسبقية الفكر على اللغة ورفض العلاقة الانفصالية بينهما.
اللغة والفكر حسب لاكروا متعاصران (متزامنان)، ولا يمكن تصور فكر قبل اللغة، حيث يقول: "إن الفكر تصنعه اللغة إذ يصنع اللغة".
ثم إن الملاحظة المتأملة وعلم النفس يؤكدان أنّ الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من أي افكار، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة، أي أنه يتعلم التفكير في نفس الوقت الذي يتعلم فيه اللغة. وعندما يصل الفرد الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها، فالأفكار لا ترد الى الذهن مجردة، بل مغلفة باللغة التي نعرفها، كما قال ستالين "مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان، فإنها لا تستطيع ان تنشأ وتوجد إلاّ على مادة اللغة". وأنه حسب هيجل "أي محاولة للتفكير بدون لغة هي محاولة عديمة الجدوى، فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح".
كما أن اللغة تصبغ الفكر بصبغة اجتماعية موضوعية تنقله من طابعه الانفعالي الذاتي، ليصير خبرة انسانية قابلة للتحليل والفهم والانتقال بين الناس، والنتيجة أن العلاقة بين اللغة والفكر بمثابة العلاقة بين الروح بالجسد، الأمر الذي جعل "هاملتون" يقول : « إن الالفاظ حصون المعاني . «

النقد: لكن ورغم ذلك، فإنه لا وجود لتطابق مطلق بين اللغة والفكر، بدليل ان القدرة على الفهم تتفاوت مع القدرة على التبليغ، من ذلك مثلا أنه اذا خاطبنا شخص بلغة لا نتقنها فإننا نفهم الكثير مما يقول، لكننا نعجز عن مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه، كما أن الادباء - مثلا - رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ.

التركيب: وعلى ضوء ما سبق، ومهما تحفظ البعض من مسألة التوحيد بين اللغة والفكر واعتبارهما شيئا واحدا، وبالرغم من أن اللغة قد تقصر أحيانا عن التعبير عن الأفكار بناء على أن قدرتنا على الفهم لا تناسب دائما قدرتنا على التبليغ، إلا أنه لابد من التسليم بوجود علاقة ترابط بين الفكر واللغة، وهذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث العلمية اللسانية، وهذه العلاقة تشبه العلاقة بين وجه الورقة النقدية وظهرها، حيث أن الفكر هو وجه الصفحة، بينما الصوت هو ظهر الصفحة، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر، وبالتالي لا يمكن، في مضمار اللغة، فصل الصوت عن الفكر، أو فصل الفكر عن الصوت.

حل المشكلة:
الاختلاف في تحديد طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر هو دليل وجود اشكالية في هذا الموضوع، والمهم هو توحيد الجهود بغية فهم هذه العلاقة، ولا فائدة من استمرار الجدل العقيم من أجلها، لأن اكتشاف طبيعة هذه العلاقة سوف يعطي معرفة أرقى، ووجود أسعد للإنسان، وذلك هو الهدف المنشود.


اللغة والفكر

مقال حول : اللغة والفكر

"
الطريقة الجدلية"

الأسئلة الاحتمالية:

- هل تنفصل اللغة عن الفكر؟

-
هل الألفاظ حصون للمعاني أم قبور لها ؟

-
هل تعتقد ان اللغة والفكر شيآن مختلفان ؟

-
هل العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال أم اتصال؟

ملاحظة : يجب أن نتحدث هنا على الاتجاه الأحادي والاتجاه الثنائي أي

(
الاتجاه الانفصالي والاتجاه الاتصالي ).

طرح المشكلة : "مقدمة"

لما كان الإنسان اجتماعي بطبعه يميل إلى التعايش مع من حوله من البشر بشتى الطرق والوسائل ، ولما كانت اللغة هي إحدى هذه الوسائل كان لزاما عليه أن يتعامل بها مع بني جنسه على اعتبار أنها وسيلة للتواصل الإنساني وأنها نسق من الرموز و الإشارات الغرض منها التواصل والتفاهم .أما الفكر يعتبر وظيفة نفسية إنسانية ولعل هذا ما جعل الجدل بين العلماء والمفكرين حول ما إذا كانت اللغة تتصل بالفكر أم تنفصل عنه و هُومايدفعنا إلى طرح التساؤل التالي:هل اللغة والفكر شيآن مختلفان أم هما شيء واحد ؟.

العرض :محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:" علاقة اللغة بالفكر علاقة انفصال " يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال ولا يمكن أن تكون علاقة اتصالية ومن بين هؤلاء الفيلسوف هنري براغسونإذ يقر بعدم التناسب بين اللفظة والفكرة "المعنى"اللغة تمتاز بالانفصال وبالتالي هي عاجزة بينما الفكرة متقدمة وبالتالي هي متصلة يقول "براغسون"اعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نمتلك أصواتً " كما يقول أيضا " الفكر ذاتي وفردي بينما اللغة موضوعية واجتماعية " ومن مؤيدي هذا الموقف أيضا الفيلسوففال يريحيث يقول : "إن أجمل الأفكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها " أما أبو حيان التوحيدي فيذهب في رأيه بأنه ليس في قوة اللغة أن تمتلك كل المعاني والأفكار ولعل من مؤيدي هذا الموقف والذين يدافعون عنهأهل الصوفيةإذ يصلون إلى مراتب ودرجات يضيق عنها نطاق النطق فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا واشتمل لفظه على خطاء صريح لا يمكنه الاحتراز منه كما أن الإنسان وفي كثير من الأحيان نجده عاجزا عن التبليغ فهو يشعر بعجز اللغة على مسايرة الفكر هذا ما حصل"للبسطامي" و"الحلاج" و"البدوي" الذي فقد ناقته في الطريق والدليل على ذلك نجد الأدباء وعلى الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية هائلة إلا أنهم يعانون أحيانا من مشكلة التبليغ والتلميذ كثيرا ما تخونه اللغة في تبليغ إجابته إلى المصحح ومن الناحية الواقعية يشعر عامة الناس بعدم المساواة بين قدرتهم في التفكير وقدرتهم على التعبير وهذا ما جعل "براغسون"يحدد نوعين من المعرفة معرفة رمزيةنتحصل بها على معارف رمزية وهي أدوات يتوصل بها العقل العارف إلى الشيء المعروف أما الثانية فهي معرفة حدسية وهي التي نحتاج فيها إلى وسائط بل يكون الوصول إليها مباشر ومن جملة الأدلة التي يؤكد بها القائلون باستقلالية اللغة عن الفكر هي أن الفكر اسبق في تعامله مع الواقع ثم انه لو كانت اللغة كافية لما احتاج الإنسان إلى وسائط أخرى بغرض التعبير عن أفكاره وإلا ما الدافع الذي جعل "فاليري" يقول "إن أجمل الأشعار هي التي لم تكتب بعد "؟

النقد " لكن نلاحظ أنه اذا سلمنا بأن الفكر سابق عن اللغة من الناحية المنطقية فهو غير سابق عنها من الناحية الزمنية و إلا كيف نفسر السبق في الوجود ؟ وبناء على هذا وجهت جمله من الانتقادات لأصحاب هذا الموقف أولها : إن الإقرار بالفصل بين اللغة والفكر فعل تعسفي إذ لا يمكن التقليل من شأن اللغة لأنها الوسيلة التي تنقل الأفكار ثم أنه لولا وجود اللغة لما كتب القرآن وفهمت معانيه فالفكر بدون لغة يبقى حبيس ولا معنى له، يقول "اميلبنفنست " إن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية أو مفاهيم غير مسماة " كما يؤكد الفيلسوف "سيروس"على استحالة الفصل بين اللغة والفكر أما" أبو حامد الغزالي" فيرى بان الفكر وحي داخلي بينما اللغة ترجمة خارجية له.

الموقف الثاني: "علاقة اللغة بالفكر علاقة اتصال "على النقيض من الاتجاه الأول وعلى خلافه ينظر أنصار الاتجاه الأحادي أمثال اللساني السويسري "دوسوسير" والعالم "لافيل"أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة اتصال إذ هما شيء واحد لا يمكن الفصل بينهما بأي شكل من الأشكال كما انه لا توجد أيضا أفكار خارج نطاق اللغة ذلك لان الفكر واللغة ليسا سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة أي كالورقة بوجهيها لا يمكن الاستغناء عن وجه من الوجهين حيث يؤكد هذا الموقف الفيلسوف "مولير" بقوله: "لا يمكن أن يأتي يوم لا تستطيع فيه اللغة الفرنسية التعبير عن مشاعري وأفكاري " كما ذهب كل من "هيجل" وَ "جولياكريستيفا"على أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر هي علاقة تلازم وتبعية وهذا ما جعل الفيلسوف "لافيل" يصرح قائلا " ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر بل جسمه الحقيقي" فعملية التفكير لا تعدو سوى ضربا من الكلام الخافت فقد قيل: "إن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية ما هو إلا حوار داخلي يتم بين الذات ونفسها ومن هذا يتبين أن اللغة والفكر متصلان يشكلان ثنائية متكاملة ومنه لا يمكن القول بأسبقية احدهما على الأخر فهما متطابقان كفاعلية ذهنيه يقول "جونلوك":"إن اللغة عبارة عن علامات حسية معينة تدل على الأفكار الموجودة في الذهن" كما أن الطفل لا يتعلم التفكير إلا إذا تعلم التعبير وهذا إن دل يدل على التلازم أما علم النفس فقد أكد على أن الطفل في مراحله الأولى لا يقوى على شيء حيث يبقى جاهلاً بالعالم الخارجي المحيط به إلا بعد تعلمه واكتسابه للألفاظ والجمل ومن هذا تتشكل لديه الأفكار وتتكون .

النقد"المناقشة":لكن نلاحظ أن هذا الموقف هو الأخر لم يسلم من الاعتراضات من قبل جملة من الفلاسفة واللغويين ذلك لقوله بالوحدوية بين اللغة والفكر وهذا غير مقبول من الناحية النظرية والواقعية كون اللغة إشارات ورموز أي ألفاظ تدل على المعاني بينما العقل هو الذي ينشئ المعاني ويضع لها رموز وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الأسبقية للفكر وليس للغة كونها تعجز أحيانا عن التبليغ ثم انه لو كانت اللغة والفكر شيء واحد لجاز لنا أن نكتفي بواحد منهما دون الأخر كما أننا لو سلمنا بالوحدوية بينهما لوجدنا أن الفكر ثابت بثبات الألفاظ وأن اللغة متغيرة بتغير المعاني وهذا يستحيل

التركيب:" تركيب بين الموقفين":وعموما يمكننا أن نقول لا يمكن الفصل بشكل عملي بين اللغة والفكر ذلك لان اللغة بمثابة الوعاء والفكر بمثابة المضمون لذا قال" ماكس مولير" "إن العلاقة بين اللغة والفكر كالقطعة النقدية الواحدة وجهها الأول الفكر ووجهها الثاني اللغة وإذا فسد أي وجه من الوجهين فسدت القطعة" كما يؤكد هذه العلاقة "دولا كروا" بقوله: "اللغة تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة" أما "ميرلوبونتي" فقد عبر عن هذه العلاقة بقوله: "أن الفكر لا وجود له خارج نطاق الكلمات" أما "هاملتون"هو الأخر اعتبر بأن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفا

الخاتمة :"حل المشكلةوختاما ومما سبق نستنتج أن العلاقة بين اللغة والفكر لاهي انفصالية تامة ولا هي اتحادية مطلقة إذ تطور اللغة يبقى رهين تطور النشاط الإنساني وأخيرا يمكننا أن نقول أن العلاقة بينهما تكاملية تفاعلية أي ثنائية بثنائية الإنسان فهو جسم وروح .



هل اللاشعور فرضية علمية ام افتراض فلسفي


هل اللاشعور فرضية علمية ام افتراض فلسفي نص السؤال: هل اللاشعور فرضية علمية أم أنها تبقى مجرد افتراض فلسفي؟
مقدمة
لقد كان لتطور الدراسات النفسية في العصر الحديث تأثير كبير في مجال علم النفس، وذلك من خلال الإقرار بأن هناك جانبا كبيرا من الحياة النفسية لا يمكن ملاحظته، بحيث أصبح تفسير سلوكات الإنسان يتم بردها إلى هذا الأخير والذي أطلق عليه "اللاشعور". أو ما أصبح يعرف بفرضية اللاشعور الفرويدية والتي أثارت جدلا واسعا وحادا في الأوساط الفكرية والفلسفية وظهر بذلك اتجاهان: الأول منهما رفضها كلية باعتبار أنها لا تتوفر على شروط الفرض العلمي وأنها أقرب إلى التفكير الفلسفي. بينما أكد أنصار الاتجاه الثاني خلاف ذلك وأيدها واعتبرها فرضية علمية وضرورية لفهم ما لا نستطيع تفسيره شعوريا. وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل ترقي فرضية اللاشعور إلى مستوى النظرية العلمية أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد افتراض فلسفي لا أقل ولا أكثر؟ وبعبارة أخرى: هل لفرضية اللاشعور قيمة علمية؟ وهل يمكن تعميمها واعتبارها نظرية شاملة تفسر كل سلوكات الإنسان؟

الموقف الاول
يرى عدد من المفكرين والعلماء بأن: "فرضية اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة" وهو الطرح الذي يتبناه أنصار مدرسة التحليل النفسي ومن أبرزهم: "فرويد" الذي رفض أن يكون أساس الحياة النفسية هو الشعور، وأكد أن الأساس الحقيقي والذي تنبني عليه حياتنا النفسية هو اللاشعور، لأن النفس أوسع من الحياة الشعورية ولهذا فالشعور لا يشكل إلا جزءا ضئيلا من النفس، لهذا نجده يقول: "وما الشعورية منها إلا أفعال معزولة وأجزاء من الحياة النفسية جمعاء". لأن التحليل النفسي أثبت فعاليته في السلوك واستنبط ذلك من خلال متابعته لبحوث "بروير" فبرهنت له على أن أعراض أمراض الهستيريا مصدرها الخبرات الماضية التي ترجع إلى الشعور أثناء التنويم المغناطيسي، ومثال ذلك: الطفلة التي كانت تعاني حبسة حسية في حركة الجفون. فكشف عن طريق التنويم أن سببها يعود إلى أنها كانت تمنع نفسها من البكاء خوفا من أبيها المريض، لكن ولما حملته طريقة التنويم المغناطيسي من سلبيات ونقائص من أهمها كشف بعض أسرار المرضى وأن نتائجها أيضا كانت محدودة، دفع هذا "فرويد" للبحث عن طريقة أخرى أجدى وأنفع للعلاج وانتهى به الأمر إلى اكتشاف التحليل النفسي. الذي يقوم على التعبير ثم التداعي الحر، وتأكد من خلاله من أن أعراض الهستيريا تنشأ نتيجة لإخفاء بعض الذكريات والأحداث المكبوتة. ولاحظ بعض التحسن عندما يسمح للمريض بالتحدث عما وقع له في الماضي، وانجر على هذا إثبات أن النفس تحتوي الشعور واللاشعور معا، حيث يقول "فرويد": "إن كل شيء هو في هذا المقام الأول لاشعوري" أما الخاصية الشعورية قد تظهر أو لا تظهر لقوله: "إن الشعور إلا جزء ضئيل من الحياة النفسية"، ولهذا يعرف "فرويد" اللاشعور أنه تلك الحوادث النفسية الباطنية التي تؤثر في سلوك الإنسان دون وعي منه، وقد استدل عليه من خلال فلتات اللسان مثل قولنا إن لقاءنا القادم "أنحس" فرصة بدلا من "أحسن". وزلات القلم مثلا يكتب صديق لآخر فيقول: "أحمد الله على النقمة التي أنت فيها" بدلا من "النعمة". لهذا قد يقوم الناس في حياتهم بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ويظهر ذلك على الخصوص في هفوات اللسان وزلات القلم. وهي دلالة نفسية على النفور، الغيرة، الحسد، والكراهية وليست صادرة عن سهو وتعب كما يظن الناس، وكذلك النسيان له صلة بالميول والرغبات المكبوتة واللاشعور، فالإنسان يميل إلى كبت الحوادث النفسية المؤلمة. وكل ما قد يسبب له إحراجا. بالإضافة إلى دليل الأحلام أيضا حيث يعتبر النوم الفرصة المواتية لظهور الميول والرغبات في اللاشعور وذلك في صور رمزية، مثلا أن سيدة تذكرت أنها كانت في طفولتها كثيرا ما ترى الله في المنام واضعا على رأسه قبعة من الورق، فهذا الحلم يبدو غريبا وغير معقول، لكن ذلك يزول عندما نعلم من السيدة أن أهلها كانوا يضعون على رأسها مثل هذه القبعة لتخليصها عند الجلوس إلى المائدة من عادة استراق النظرات إلى صحون إخوانها لتتأكد من تساوي حصص الأكل. وعندما تعرف أيضا أن أهلها كانوا يقولون لها أن الله يرى ويعلم كل شيء. فهي أيضا ترى وتعلم كل شيء على الرغم من أهلها. ولهذا فإن عالم الأحلام يعتبر ميدانا خصبا لتحقيق الميول والرغبات اللاشعورية وذلك بطريقة خيالية وهمية.هذه إذن هي دلائل "فرويد" على وجود اللاشعور. ومن خلال هذا كون الجهاز النفسي حيث نظر للحياة نظرة مخالفة لعلم النفس التقليدي وتأثر بفكرة الأجهزة في البيولوجيا، وقسم النفس إلى: "الانا": وهو إدراكي يراقب النشاط الإرادي لأنه يمثل الذات الواعية التي تتصرف وفق مقتضيات الظروف والأحوال. (الهو الليبيدو): ذلك الجانب الخفي من النزعات والرغبات المكبوتة في النفس بطريقة غير مباشرة لا يعيها الإنسان، أي مجموعة من الدوافع والرغبات المكبوتة التي تحاول الإرضاء، وهو لا يخضع إلى مبادئ العقل والأخلاق، وهو مصدر الطاقة النفسية والمحرك لنشاط الإنسان وإبداعاته. الأنا الأعلى (الضمير): وهو مجموعة من القيم الأخلاقية والقواعد الاجتماعية والأوامر والنواهي التربوية والواجبات الدينية التي يلزم بها الطفل عن طريق الأبوين والمربين على الاستسلام إلى مطالب المجتمع وقوانينه، وصرف الرغبات الجنسية والعدوانية نحو موضوعات سامية.
وبالتالي يمكننا القول أن "فرويد" يرى أن لفرضية اللاشعور قيمة علمية وأن التسليم بها ضروري لتفسير سلوك الإنسان. وذلك لأن:
* فرضية اللاشعور ساعدت علماء النفس على فهم الكثير من حالات الاضطراب النفسي (أزمات نفسية، عقد، نكوص...) وحتى بعض السلوكات العادية التي نعجز عن تفسيرها بإرجاعها إلى الشعور.
* فرضية اللاشعور تقوم على أساس أن الرغبات المكبوتة والأهواء التي لا يمكن إظهارها لا تفقد ديناميتها وسعيها نحو الظهور.
* من الناحية الإجرائية نجد كثيرا من مظاهر الحياة النفسية لا يمكن تفسيرها بالوقوف عند الحياة الشعورية مما يستوجب اللجوء إلى افتراض جانب لا شعوري يكبت لتعارضه مع متطلبات الواقع، ويبقى يمارس تأثيره على الحياة النفسية. فلقد تمكن "فرويد" من خلال تحليله لفلتات اللسان وزلات القلم وغيرها من أفعال الشعور البسيطة وخاصة من خلال تحليله للأحلام من الوصول إلى كشف الرغبات اللاشعورية التي تؤثر بعمق في سلوك الإنسان.
تبريرهم لقيمة فرضية اللاشعور الفرويدية إذ أن هذه الفرضية ورغم ما حققته تبقى بعيدة عن أن تكون بمستوى النظرية العلمية. فرغم القيمة العلمية لنتائج التحليل النفسي إلا أنه يبقى منهجا عياديا لا يمكنه أن يمدنا بنتائج يمكن تعميمها. وتبقى مجرد تصور حاول "فرويد" تطبيقه على فئة معينة، وهذا ما جعلها لا ترتقي إلى المستوى العلمي لأنه لا يمكن التحقق من صدقها دائما، هذا ما أدى إلى ظهور اعتراضات ضد التحليل النفسي الفرويدي خاصة واللاشعور عامة
نقيض الاطروحة الموقف الثاني
إذ يرى عدد آخر من المفكرين أن اللاشعور ما إلا مجرد تصور فلسفي غير قابل للتجسيد في أرض الواقع لأن الأعراض التي لا نجد لها تفسيرا في الحياة الشعورية هي أعراض وهمية والإقرار بذلك يوقعنا في تناقض والعقل لا يقبل ذلك، لذا لا يمكننا أن نقول بأن هناك حياة لا شعورية إلى جانب الشعور، وبالتالي فأدلة "فرويد" غير كافية لذلك. كون أن المنهج الذي اعتمد عليه "فرويد" في تبرير اللاشعور لا يمكن تعميمه على جميع الأفراد، لأن تطبيقه كان على المرضى فقط لا الأصحاء، وهذا ما دفع "فرويد" إلى القول في كتابه ما فوق مبدأ اللذة بأنه هو في حد ذاته غير مقتنع، وأنه لا يعمل على إغراء غيره من الناس بالإيمان بذلك، كما أن ربط وجود اللاشعور بالغرائز وخاصة "الليبيدو" جعل من الفرد شبيها بالحيوان الذي تسيره غرائزه فقط، لهذا لا يمكن رد الحياة النفسية للاشعور ولليبيدو وإنما يمكن رده إلى إحساس الفرد بالقصور مثلا، ذلك أن المصاب بقصور عضوي يسعى إلى تعويض هذا القصور وتغطيته بالأعراض العصابية، وهذا ما حاول أن يؤكد عليه "آدلر". إضافة إلى ذلك نجد أن شخصية الفرد وطبيعتها مرتبطة بإرادة الفرد في ذلك، لهذا لا يمكن ردها إلى الغريزة الجنسية ذلك أن الفرد الذي يسيطر على ذاته ويتجه إلى الأشياء والآخرين أكثر مما يتوجه إلى نفسه لا يمكن أن تستبد به غريزته، لهذا نجده منبسطا واجتماعيا، على غرار المتجه إلى نفسه حيث نجده أسير نزواته وغرائزه، وهذا هو مضمون تفسير "كارل يونغ". هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن وجود مقاومة من طرف المريض وعدم استسلامه النهائي للطبيب دليل كاف على عدم وجود حالات لاشعورية، ومرد ذلك كله هو خوف المرضى من رؤية الحقيقة. كما أنه لا يمكننا تفسير جميع السلوكات بسبب واحد هذا ما جعل فكرة اللاشعور فكرة فلسفية لا يمكن لها أن ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية كون هذه الأخيرة تقوم على ثابت، وهذا يتناقض مع الحياة النفسية التي تمتاز بالتغير والتنوع، وبالتالي مبدأ اللذة غير كاف لتفسير سلوك الفرد. و من الذين رفضوا فكرة اللاشعور الفرويدي، الطبيب النمساوي ستيكال، الذي قال:" لا أومن باللاشعور، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى، لكنني بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة، إنما هي تحت شعورية، و أن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة". فاللاشعور مجرد تجاهل للأفكار و الحقائق.
كما يرفض سارتر فكرة اللاشعور و يعتبره مجرد خداع، و يعبر عن هذا في نظريته "خداع النفس".
النقد: لكن ورغم هذه الاعتراضات إلا أنه لا يمكننا أن نلغي ما أثبتته التجارب الإكلينيكية (العيادية) و حتى من الوجهة التفسيرية: فنظرية "فرويد" فتحت باب النظر العقلي إلى المشاكل الشخصية من خلال دراسة الحياة الجنسية. كما أنها صنعت مناهج تحليلية بصورة معدلة قليلا أو كثيرا، عيادات إرشاد الأطفال، و أن تهيء التكيف الحسن في الحياة. بالإضافة إلى أن مجهودات فرويد أحدثت ثورة في فهم الأمراض العصابية و علاجها. وبالتالي ساعدت على توسيع فهم الحياة النفسية و اضطراباتها و مستوياتها المختلفة.
التركيب: وعليه يمكننا القول إن فرضية اللاشعور ساعدت على الكشف عن الجانب الخفي من الحياة النفسية وكان لها دورها في تفسير كثير من المظاهر السلوكية، ولكن ذلك لا يعني تعميمها واعتبارها فلسفة شاملة تفسر كل سلوكات الإنسان، فاللاشعور بالنسبة للعلاج النفسي يعد مفتاحا، يشعر أصحابه أنه لا يمكنهم الاستغناء عنه. ولكنه من الخطأ أن نجعل منه مفتاحا عموميا نفتح به جميع الأبواب بحيث نفسر كل سلوك إنساني على ضوء معطيات التحليل النفسي
الخاتمة: نستنتج أن نظرية اللاشعور إبداع في مجال التحليل النفسي، أدى إلى الكشف عن كثير من الاضطرابات النفسية و السلوكية، و فتحت أبواب بحث كثيرة أمام الدارسين، إلا أنه لا يمكن أن نعتبر اللاشعور محققا لمستلزمات الدقة العلمية رغم أنه قد حظي ببعض الاتضاحات في النهاية بفضل ما تزودنا به من حين لآخر، نتائج المشاهدات الإكلينيكية. وإذا كان لحجج التحليل النفسي فضل، فإنه في الحقيقة ليس في اكتشاف اللاشعور وإثبات وجوده بقدر ما هو في اكتشاف وظيفة النشاط السيكولوجي اللاشعوري والإلحاح عليه

هل الأسرة مؤسسة ضرورية أم أكيد إلى الزوال ؟


هل الأسرة مؤسسة ضرورية أم أكيد إلى الزوال ؟
مقالة حول هل الاسرة مؤسسة اجتماعية ضرورية
المقدمة:الأسرة بالمعنى الحديث هي وحدة اجتماعية تتألف من أبوين و أطفالهما. و هي تختلف عن الأسرة قديما من عدة جوانب كالنطاق و محور القرابة و الوظائف. فالوظائف الحالية مثلا قليلة إذا قيست بما كانت عليه في العصور الماضية. لقد كانت الأسرة القديمة تقوم بوظائف متنوعة في المجالات السياسية( التشريعية، التنفيذية، و الدفاعية) و الدينية و التربوية و الاقتصادية و الصحية...إلخ إلا أن تطور الحياة الاجتماعية و تعقدها دفعا المجتمع الحديث إلى خلق مؤسسات تنوب عن الأسرة في أدائها لهذه الوظائف، و تخفف عنها أعباءها و من هنا التساؤل: ما هي وظائف الأسرة بعد أن زالت عنها هذه الأعباء؟ و ما مصير الأسرة؟و هل حقيقة يمكن أن يحكم عليها بالزوال؟
عرض الأطروحة: يذهب البعض من الفلاسفة إلى أن الأسرة محكوم عليه بالزوال في المستقبل إذا تألفت من الزوج و زوجته فقط، و إذا انتزعت الدولة الأطفال من آبائهم و أخذت على عاتقها تربيتهم على أن يصبحوا مجرد مواطنين لا ينتسبون إلى أسرة معينة. و دليلهم على ذلك، أن وظائف الأسرة التقليدية كانت واسعة، تشمل جميع شؤون الحية الاجتماعية ، غير أن المجتمع أخذ ينتقص منها و ينشئ لكل وظيفة هيئة مستقلة، فلقد أنشأ المجالس النيابية مكان الوظيفة التشريعية، و الحكومات مكان السلطة التنفيذية و المعاهد الدينية و المدارس مكان الوظائف الدينية و التربوية. و المؤسسات الاقتصادية و المصانع مكان الوظيفة الاقتصادية. و المؤسسات الأمنية للمحافظة على الأمن و الممتلكات و الأرواح. هكذا أصبح المجتمع هو الذي يشرف تقريبا على جميع الأعمال التي كانت على عاتق الأسرة القديمة. و يذهب أنصار النزعة الاشتراكية و خاصة ماركس و أنجلز إلى أن التوفيق بين الطبقات و محوها يقتضي إلغاء الأسرة لأنها تحول دون محو الفوارق الموجودة بين الأفراد، و في هذا المعنى يرى أنجلز أن الأسرة تتأسس في جوهرها على الملكية الخاصة و توارثها، فهي من الناحية الاجتماعية تغذي البنية الرأسمالية و يوم تنتقل وسائل الإنتاج إلى الملكية المشتركة، لن تبقى الأسرة الفردية الوحدة الاقتصادية للمجتمع، فالاقتصاد العائلي يتحول إلى صناعة جماعية. و العناية و تربية الأطفال تصبح مسألة عمومية، فالجميع يقدم عناية متساوي لجميع الأطفال، و هكذا يظهر لنا أن بقاء الأسرة تعزيز للصراع الطبقي.
كما أن الروح العائلية تقيد حرية الفرد و تزرع فيه عواطف تجعل منه كائنا لا يقوى على تجاوز حدود الأسرة. و التاريخ يشهد بأن الأسرة التقليدية تمارس نوعا من الطغيان على الفرد، و تستبد به و لا تتركه طليقا، الأمر الذي دفع أنصار النزعة الفردية خاصة "جيد" إلى انتقاد طابع الإكراه الذي تتسم به الأسرة. فهو يسعى إلى تحرير الفرد و يجعله متمتعا بشخصيته ، و ذلك أن القيود التي تفرضها الأسرة على الطفل تشل إرادته و تعيق تطوره، لأن الأمر كما يقول، سجن اجتماعي بمعنى الكلمة يستولي على الفرد، فالفرد مهما بلغ من السن، فإنه يبقى دائما مرتبطا بوالديه بحكم العاطفة العائلية.
نقد الأطروحة:غير أن انحلال الأسرة و انهيارها يجرد المجتمع من أهم مقوماته. لأن الأسرة هي الدعامة الأساسية للمجتمع، فصلاحه مرتبط بصلاحها، كما أن أغلب الأمم التي كانت تتصور المجتمع بدون أسرة انتهت إلى الاعتراف بالأدوار الأساسية التي تلعبها الأسرة خاصة في التربية و الغذاء الروحي.
نقيض الأطروحة:و في مقابل هذا الاتجاه ظهر اتجاه آخر يرى أنصاره، أن الأسرة و حدة اجتماعية ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، فمهما بلغ المجتمع من تقدم و تطور فلا يمكنه أن ينوب عن الأسرة في الوظائف العائلية المحصنة، كالوظيفة البيولوجية، و الاجتماعية، و السيكولوجية.
فمن أهم وظائف الأسرة تنشئة الأطفال و تربيتهم التربية الاجتماعية. و إدا كانت صغار الحيوانات لا تبقى تحت الرعاية إلا مدة قصيرة من الزمن ثم تستقل بنفسها نهائيا، فإن الإنسان قبل أن يمارس الحياة الاجتماعية بنفسه يبقى في أحضان عائلته التي تنشغل بتربيته مدة طويلة. فطفل الإنسان يولد كحيوان ضعيف لا حول له و لا قوة، فهو في حاجة إلى من يغذيه و يحميه من البرد و الحر و الأمراض. كما يتلقى من والديه السلوك و الآداب العامة، و الأسرة باعتبارها نظاما اجتماعيا تؤثر فيما عداها من النظم الاجتماعية، إن المدرسة مثلا يتوقف نجاحها في أداء رسالتها التربوية على مقدار المعونة التي تقدمها لها الأسرة. و لا تزال الأسرة إلى وقتنا هذا، و خاصة في الأوساط الريفية محتفظة بالكثير من وظائفها التقليدية.
غير أن التنشئة و التغذية في الإنسان ليست مادية و حسب و لا أخلاقية فقط، إنها نفسية أيضا، و هذه الوظيفة لا تكاد تشاركها فيها أية مؤسسة أخرى. فقد أثبتت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات حكومية بعيدا عن الوسط العائلي،

 يعانون من ضعف في النمو، فقد اكتشف الطبيب "روني سبيتز" أن الطفل يستطيع أن يعاني الآلام من الناحية الجسدية بسبب إبعاده عن أمه في 61 طفلا قدموا من مختلف الأوساط و تربوا في مؤسسات حكومية منذ ولادتهم سجل عليهم تراجعا ملحوظا ابتداء من الشهر الرابع للنمو العام بالنسبة للمعدل. و يبلغ هذا التراجع 50 بالمائة في العام الأول. أما في العام الثاني فنموهم يمكن أن يعادل نمو المعتوهين. في حين أن الأطفال الذين تشتغل الم بتربيتهم و الاعتناء بهم يكون نموهم سويا، لأن الأم حين تغذي ولدها تغذية أيضا بالعواطف و الحنان. فالتزود بالغذاء المناسب يستلزم أكثر من السعرات الحرارية و الفيتامينات.
نقد نقيض الأطروحة:لكن مهما كان وجود الأسرة في المجتمع بمثابة الدعامة أو المحرك الضروري، فإن هذا المحرك قد تترتب عنه عواقب وخيمة، لأن الأسرة، إذا دب فيها التفكك، تنتج أفرادا ضعاف النفس و الشخصية.
التركيب:إن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، و على المجتمع أن يعمل على رعايتها، و لا يترك الآباء يمارسون سلطتهم كاملة على ذريتهم، و أن يقدم لهم يد المساعدة و يمدهم بتوجيهات و إرشادات تسمح لهم بأن يصنعوا أجيالا صالحة. فإن المجتمع السليم هو المجتمع الذي يحرص على إبقاء الأسرة و صيانتها. و الأسرة الصحيحة هي الوحدة الاجتماعية التي تعمل على الاحتفاظ بنجاعتها الأخـلاقية و الاجتماعية، و خاصة النفسية. و إذا كانت الأسرة قد فقدت الكثير من وظائفها فذلك من أجل أن تتفرغ لوظيفتها الخاصة التي لا يستطيع منطق التطور القضاء عليها. فبمقدار ما تفتقد الأسرة من وظائفها، الواحدة بعد الأخرى بمقدار ما تعثر على وظيفتها الخاصة.
الخاتمة:و في الأخير نستنتج أن الأسرة ذات أهمية كبرى، و عليه تتوقف إلى حد بعيد، قـوة المجتمع و مناعته. و لقد نوه البعض من المربين بأهميتها الخطيرة و دورها الايجابي قائلين: " لقد نال النوع البشري حضارة بفضل الأسرة، و إن مستقبله يتوقف على هذه المؤسسة أكثر من أية مؤسسة
أخرى

هل الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال و التلاشي ؟


- هل الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال و التلاشي ؟

إذا كانت الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع و ثمرة لنظام الزواج ، فما هو الدور الأساسي الذي يجب إن تلعبه في الحياة الاجتماعية ؟ و إذا كانت الحياة الزوجية معرضة لعوائق و مشاكل فكيف السبيل إلى مواجهتهـــا ؟ما هي الأسـرة ؟ الأسرة هي كل جماعة من الناس يعيشون معا في إطار مؤسسة الزواج ، و القرابــة
طرح المشكلة :هل الأسرة مؤسسة قابلة للتلاشي ؟
ا- الموقف الأول / .إن الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال وذلك بتلاشي وظائفها ، إذ بإمكان الفرد أن يستغني عنها وتلبية مطالبه الأساسية لوحده ، فالشباب في المجتمعات الغربية بمجرد بلوغهم سن الرشد يغادرون عائلاتهم ويتحملون مسؤوليتهم في بناء مستقبلهم لوحدهم ، وأكثر من ذلك أصبحوا ينظرون إلى الروابط الأسرية كقيود تقضي على حريتهم وعلى كيانهم الفردي المستقل. إن الشعور بالأنا يقتضي التحرر من سلطة الوالدين حسب رأي البعض . هذا من جهة ،ومن جهة ثانية اعتبر الفيلسوف الألماني هيجل Heggelأن نهاية الأسرة هو الانحلال ليتحول أعضاؤها أفرادا في المجتمع يخضعون لسلطة خارجية ، تربطهم قوانين موضوعية لا روابط عاطفية و ذاتية كحال الأسرة ، و الأسرة في نظر الشيوعيين مؤسسة تكرس الانقسام و تعمق الفوارق بين الناس وتهدف إلى إنشاء مجتمع الطبقات الذي لا يخدم المجتمع الشيوعي القائم على المساواة و العدالة الاجتماعية ، لقد كانت الأسرة سببا في نشوء السلطات الملكية التي استولت على حرية الشعوب وممتلكاتهم ، كما كانت سببا في بقاء الأنظمة الطبقية الاستبدادية ،غير أن ظهور الاشتراكية قضى على الأسرة وجعل أفرادها جزء من الدولة تستمد منهم قوتها ويستمدون منها متطلبات حياتهم ، إذ أصبحت الدولة هي التي تتكفل بتربية الأطفال وتعليمهم و رعايتهم وتوظيفهم وتسخيرهم للصالح العام ولم يبقى للأسرة أي وظيفة
النقد/ مهما شعر الفرد بالضيق تجاه أسرته إلا أن ذلك ليس سببه وجود الأسرة بل سببه سوء المعاملة بين أفرادها ،و مهما بدت الدولة أكثر قوة من الأسرة غير أنه بدون أسرة ما كان هناك فرد أو مجتمع على الإطلاق.
ب- الموقف الثاني / الأسرة مؤسسة ضرورية وغير قابلة للانحلال والتلاشي وتتمثل أهميتها في الوظائف التالية:
*الوظيفة البيولوجية / تتمثل في التكاثر الذي يحفظ به النوع البشري . و تنظيم العلاقات الجنسية ، فالزواج يضمن طريقة شرعية و صفة اجتماعية للأطفال ،ويحارب الإنجاب غير الشرعي الذي لا يخدم المجتمع . كذلك المعاشرة الزوجية تبنى على إشباع الرغبات الجنسية باعتبارها سنة الحياة الطبيعية القائمة على الفطرة .اعتبر البيولوجيون هذه الوظيفة من المقومات الأساسية للأسرة .بدونها تنتهي الأسرة بالانحلال و الزوال من الوجود . إذن لا يمكن للمجتمع أن يستمر في الوجود إلا من خلال إنجاب الأطفال ورعايتهم و حمايتهم. .
*الوظيفة الاقتصادية /تتمثل في الإنفاق . فالأسرة مؤسسة اقتصادية صغيرة تنتج و تستهلك و تدخر الفائض من أجل توفير الغذاء و الملبس و المأوى و كل ضروريات الحياة لأفرادها ، و هذا بفضل الأجرة التي يقتنيها رب البيت من وظيفته الخارجية ، لذلك أصبح العمل من الشروط الأساسية للزواج والضامن لبناء الأسرة واستمرارها . ويؤكد الواقع أن اغلب المشاكل التي تتخبط فيها بعض الأسر تعود بالدرجة الأولى إلى عدم تحقيق اكتفائها الذاتي في سد حاجياتها .
*الوظيفة النفسية / للأسرة روابط نفسية تتجلى في صور الحب و الحنان و التآلف ، و الاهتمام المتبادل ، و هذه الوظيفة تعد بمثابة الحبل القوي الذي يشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض . و من خلال العلاقة الأولية المبكرة بين الأم و الطفل ، يحصل الطفل على حاجته في الرعاية و الأمن ، فتتحول فيه المرأة من أم بيولوجية إلى أم سيكولوجية ، إن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له أثره البالغ في تكوينهم تكوينا سليما ، فإذا لم يرع الآباء ذلك فان أطفالهم يصابون بعقد نفسية تسبب كثيرا من المشاكل في حياتهم ولا تثمر وسائل النصح و الإرشاد التي يسدونها لأبنائهم ما لم تكن هناك مودة صادقة بين أفراد الأسرة . و قد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة و أكثرها تمهيدا لاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه ،كما أن تفاهم الأسرة وشيوع المودة فيما بينهما يساعد على نموه الفكري وازدهار شخصيته .
*الوظيفة الاجتماعية / تتمثل في التنشئة الاجتماعية ، فالأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع ، و إذا فسدت فسد المجتمع . و هنا تكمن مهامها الاجتماعية في تربية النشء على المبادئ الاجتماعية و القيم الأخلاقية و الحضارية، فالسنوات القليلة الأولى في حياة الطفل تنقضي معظمها في نطاق الأسرة حيث تقام دعائم الشخصية قبل دخول مؤثرات أخرى كالمدرسة وغيرها .. والأسرة تساعد الفرد على الاندماج في المجتمع والامتثال للعادات والتقاليد و القوانين .هكذا تعمل من اجل أن يبقى الفرد وفيا للمجتمع الذي ينتمي إليه ، و ينمو داخله نمو سويا .
النقد: لكن الأسرة إذا لم تع دورها المنوط بها و إذا كانت تبالغ في مراقبة أفرادها، قد تمثل قيدا أمام نمو قدراتهم، وتقضي على حريتهم و استقلالية شخصيتهم و كيانهم الفردي المستقل

التركيب ما هي تحديات الأسرة ؟ تواجه الأسرة مشاكل قد تؤدي إلى تفككها ، و يعود السبب إلى انحراف أفرادها وتخليهم عن واجباتهم في الرعاية والحماية و توفير ضروريات الحياة ، و هذا ما يفسح المجال إلى نشوب الأزمات وتراكمها ، و ينتهي الأمر بالطلاق أو الهجر . فللطلاق أو الهجر أذن أسباب اقتصادية و اجتماعية و نفسية و أخلاقية ، غير أن هذه العوائق يمكن تجاوزها بتوثيق العلاقة بين الزوجين على أساس المحبة والإخلاص و المودة ، و حل الخلافات و المشاكل بالتفاهم و الحوار المتبادل وتقديم المصلحة العامة للأسرة على المصلحة الشخصية الضيقة ، فالأسرة كيان موحد ،و منظومة ثقافية ، ورابطة خلقية و علاقة روحية تقوم على قيم سامية قبل أن تكون مجرد علاقة جنسية ضيقة .و من اجل تغطية العجز الاقتصادي خرجت المرأة إلى العمل لتساعد الرجل على تحقيق الاكتفاء الذاتـي ، بهذه الكيفية

تحافظ الأسرة على كيانها ووحدتها وتساهم في بناء المجتمع و الحضــــــــارة.

الخاتمة حل المشكلة: مما سبق نخلص إلى أن الأسرة تبقى مؤسسة اجتماعية ضرورية لا يمكن لأي مؤسسة أخرى أن تعوضها داخل المجتمع. و عليه فالأسرة - رغم التطور الذي حصل و يحصل في المجتمع- تبقى غير قابلة لانحلال والتلاشي

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

  مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة مقالات فلسفية المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لا...