الجمعة، 10 يونيو 2016

هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟ فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة؟

هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟

فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة
؟
إذا كانت الفلسفة عموما تفكيرا في الوجود الانساني، وفي الأبعاد والظواهر المختلفة التي يتضمنها هذا الوجود، فمن البديهي أن تثير اللغة - بوصفها ظاهرة إنسانية- اهتمام الفلاسفة. ولقد عُرّف الانسان بكونه حيوانا ناطقا أو متكلما، وهو نعت يقتضي ضرورة الوجود المسبق للغة، التي تتعدد خدماتها وتتنوع وظائفها: فهي تفيد التبليغ، وتسمح بتحقيق التواصل، وكذلك التعبير عما يخالج الذات. إلّا أنّ كثيرا ما تنتاب المرء فكرة أو إحساس يتأخر أو يعجز عن إيجاد التعبير المناسب له، كما يحدث له في أحيان أخرى أن يفكر تفكيرا داخليا صامتا، ومن هذا المنطلق، فقد شغلت العلاقة بين اللغة والفكر بال فلاسفة اللغة وعلمائها؛ فاعتقد البعض منهم أن هناك تطابق مطلق بينهما، ولاوجود لأفكارٍ لا تستطيع اللغة التعبير عنها، واعتقد آخرون أن هناك انفصال بين اللغة والفكر، مما يلزم عنه إمكانية تواجد أفكار تعجز اللغة عن التعبير عنها وتوصيلها للغير، فهل يمكن فعلا أن تكون هناك أفكار بدون لغة؟ بمعنى آخر: هل يمكن ان توجد افكار خارج حدود اللغة؟

عرض الاطروحة: يرى أنصار الاتجاه الثنائي، أنه لا يوجد تطابق وتناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ، فالفكر أسبق من اللغة وأوسع منها، وأنّ ما يملكه الفرد من أفكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات، فاللغة والفكر منفصلان، واللغة ليست سوى أداة، وأداة قاصرة لا تخدم الفكر إلا جزئيا، بل هي على ما يرى برغسون تحجب الفكر والواقع.

الحجة: يميز أفلاطون (.347قم،428ق.م) بين عالمين موجودين هما: عالم المثل وهو العالم الحقيقي، عالم الفكر والمعقولات والحقائق المطلقة الكاملة، وبين عالم المحسوسات وهو عالم يأتي في المرتبة السفلى، لأنه عالم أشباه الحقائق والظلال (المحسوسات والعالم المادي). أما اللغة فهي معبرة عن عالم الأشياء المحسوسة، وهكذا يعطي أفلاطون الأسبقية للفكر على اللغة، فللفكر أسبقية أنطولوجية (وجودية) على اللغة أي أنه سابق في الوجود عليها، فمستودع الأفكار عند افلاطون هو عالم المثل، فالأفكار المطلقة توجد في هذا العالم بدون كلمات لأن اللغة تنتمي إلى عالم المحسوسات، وبالتالي فاللغة ليست سوى أداة للتعبير عن فكر سابق عليها.
واعتبر ديكارت (1596- 1650) الفكر واللغة من طبيعتين متناقضتين، كل منهما يشكل كيانا قائما بذاته مستقلا عن الآخر، فالفكر جوهر روحي خاصيته الوحيدة هي التفكير، بينما اللغة مظهرها مادي (الصوت، الكتابة) لذلك فهي في خدمة الفكر، وهي التي تنتجه. ولذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة انفصال واستقلال، والأسبقية هنا للفكر.
أما شوبنهاور (1788-1860) فقد اعتبر أن الفكر منفصل تمام الانفصال عن اللغة، فالأفكار تموت لحظة تجسدها في كلمات، وهذا ما يبرر استقلالية الفكر عن اللغة.
يقول برغسون: وهو أحد أنصار الاتجاه الثنائي: "ليست الموضوعات الخارجية و حدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل". وقال أيضا: "وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟".
فالإنسان كثيرا ما يدرك كماً زاخراً من المعاني والافكار تتزاحم في ذهنه، وفي المقابل لا يجد إلّا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني والافكار. كما قد يفهم أمرا من الامور ويكوّن عنه صورة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد، فإذا شرع في التعبير عما حصل في فكره من أفكار عجز عن ذلك. كما قد يحصل أن نتوقف – لحظات – أثناء الحديث أو الكتابة بحثا عن كلمات مناسبة لمعنى معين، أو نقوم بتشطيب أو تمزيق ما نكتبه ثم نعيد صياغته من جديد... وفي هذا المعنى يقول برغسون: «إننا نملك أفكارا اكثر مما نملك اصواتا» .
وقد تؤدي الألفاظ إلى قتل المعاني وتجمد حيويتها وحركتها، بينما المعاني مبسوطة ممتدة وغير نهائية بل تتطور أسرع من الألفاظ، فالفكرة أغنى من اللفظ إذ يمكن التعبير عنها بألفاظ مختلفة، بينما الألفاظ معدودة ومحدودة، بل قيمتها لا تكون إلا من خلال ما تنطوي عليه من معان ومفاهيم وتصورات.
وفي الاتجاه نفسه يشتكي المتصوفة عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق، فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية. فهذا الحلاج كان يقول: "ليس في الجبة إلاّ الله". وهذا البسطامي يقول: "سبحاني ما أعظم شأني" وربما هذا ما قصده فاليري في قوله :"إن أجمــــل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها" .

النقد: لكن القول أن الفكر أوسع من اللغة وأسبق منها ليس إلّا مجرد افتراض وهمي، فإذا كنا ندرك معانٍ ثم نبحث لها عن ألفاظ ما يبرر أسبقية الفكر على اللغة، فإنّ العكس قد يحدث أيضا، حيث نردد ألفاظ دون حصول معانٍ تقابلها وهو ما يعرف في علم النفس بـ "الببغائية"، أفلا يعني ذلك أن اللغة أسبق من الفكر؟
وحتى لو سلمنا جدلا بوجود أسبقية للفكر على اللغة فإنها مجرد أسبقية منطقية لا زمنية؛ فالإنسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد. والواقع يبيّن أن التفكير يستحيل أن يتم بدون لغة؛ فكيف يمكن أن تتمثل في الذهن تصورات لا اسم لها؟ وكيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب لغوية؟ ثم لو كانت اللغة عاجزة عن التعبير عن جميع أفكارنا فالعيب قد لا يكون في اللغة، بل في مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن أفكاره .
هذا الرأي بالغ في تمجيد الفكر والتقليل من شأن اللغة، الأمر الذي جعل الفكر نشاطا أخرسا، وهذه النتيجة لا تؤكدها معطيات علم النفس الذي أثبت أن الطفل يتعلم الفكر واللغة في آن واحد، لذلك قال هيغل: "نحن نفكر داخل الكلمات"، وإلى نفس الاتجاه ذهب غوسدروف حيث قال: "التفكير ضاج بالكلمات".

نقيض الاطروحة :وعلى خلاف الرأي السابق، يذهب أنصار الاتجاه الاحادي، إلى أن هناك تناسب بين الفكر واللغة، وعليه فعالم الافكار يتطابق مع عالم الالفاظ، أي أن معاني الافكار تتطابق مع دلالة الالفاظ، ولا وجود لأفكار خارج إطار اللغة، فبين اللغة والفكر اتصال ووحدة عضوية وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة، باعتبار «أن الفكر لغة صامتة واللغة فكر ناطق

الحجة: إن الطرح اللساني المعاصر مع دوسوسير (1857-1913) يؤكد على العلاقة الوظيفية بين اللغة والفكر، ذلك أنه لا تقتصر وظيفة اللغة تجاه الفكر في تقديم أداة صوتية مادية تتيح له أن يظهر وينكشف فحسب، بل توفر له أيضا إمكانية أن يتجزأ أو ينقسم، ويتخذ لنفسه شكلا وهيئة. يقول دوسوسير: "اللغة شبيهة بورقة، الفكر وجهها والصوت قفاها" ويقول زكي نجيب محمود: "الفكر هو التركيب اللفظي أو الرمزي لا أكثر ولا أقل".
إن اللغة إذن هي الشكل الوحيد لوجود الفكر، إنهما (اللغة والفكر) وجهان لعملة واحدة مترابطان ومتلاحمان، بحيث لا يمكن تصور الفكر خارج اللغة. فالأفكار تبقى عديمة المعنى في ذهن صاحبها ما لم تتجسد في الواقع، ولا سبيل الى ذلك إلّا ألفاظ اللغة التي تدرك إدراكا حسيا، فاللغة – إذن – هي التي تبرز الفكر من حيز الكتمان إلى حيز التصريح، ولولاها لبقي كامنا عدما، لذلك قيل: «الكلمة لباس المعنى ولولاها لبقي مجهولا
يرى ميرلوبونتي (1908-1961) أنه ليس للفكر باطن، لأنه ليس من شأن الفكر أن يوجد خارج الألفاظ. فالمعنى يسكن اللفظ، والفكر لابد أن يتجسّد في عبارات. إن اللغة في نظر ميرلوبونتي ليست مجرد لباس خارجي للفكر، بل هي حضور للفكر نفسه في صميم العالم المحسوس. فالفكر والكلام يتكونان في آن واحد، وهما عملية ذهنية واحدة، تتم دفعة واحدة. ولا يمكن اعتبار الكلام مجرد علامة على وجود الفكر، مثلما الأمر بالنسبة لعلاقة الدخان بالنار، وهو ما نفهم منه رفض ميرولوبونتي بقول أسبقية الفكر على اللغة ورفض العلاقة الانفصالية بينهما.
اللغة والفكر حسب لاكروا متعاصران (متزامنان)، ولا يمكن تصور فكر قبل اللغة، حيث يقول: "إن الفكر تصنعه اللغة إذ يصنع اللغة".
ثم إن الملاحظة المتأملة وعلم النفس يؤكدان أنّ الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من أي افكار، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة، أي أنه يتعلم التفكير في نفس الوقت الذي يتعلم فيه اللغة. وعندما يصل الفرد الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها، فالأفكار لا ترد الى الذهن مجردة، بل مغلفة باللغة التي نعرفها، كما قال ستالين "مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان، فإنها لا تستطيع ان تنشأ وتوجد إلاّ على مادة اللغة". وأنه حسب هيجل "أي محاولة للتفكير بدون لغة هي محاولة عديمة الجدوى، فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح".
كما أن اللغة تصبغ الفكر بصبغة اجتماعية موضوعية تنقله من طابعه الانفعالي الذاتي، ليصير خبرة انسانية قابلة للتحليل والفهم والانتقال بين الناس، والنتيجة أن العلاقة بين اللغة والفكر بمثابة العلاقة بين الروح بالجسد، الأمر الذي جعل "هاملتون" يقول : « إن الالفاظ حصون المعاني . «

النقد: لكن ورغم ذلك، فإنه لا وجود لتطابق مطلق بين اللغة والفكر، بدليل ان القدرة على الفهم تتفاوت مع القدرة على التبليغ، من ذلك مثلا أنه اذا خاطبنا شخص بلغة لا نتقنها فإننا نفهم الكثير مما يقول، لكننا نعجز عن مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه، كما أن الادباء - مثلا - رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ.

التركيب: وعلى ضوء ما سبق، ومهما تحفظ البعض من مسألة التوحيد بين اللغة والفكر واعتبارهما شيئا واحدا، وبالرغم من أن اللغة قد تقصر أحيانا عن التعبير عن الأفكار بناء على أن قدرتنا على الفهم لا تناسب دائما قدرتنا على التبليغ، إلا أنه لابد من التسليم بوجود علاقة ترابط بين الفكر واللغة، وهذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث العلمية اللسانية، وهذه العلاقة تشبه العلاقة بين وجه الورقة النقدية وظهرها، حيث أن الفكر هو وجه الصفحة، بينما الصوت هو ظهر الصفحة، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر، وبالتالي لا يمكن، في مضمار اللغة، فصل الصوت عن الفكر، أو فصل الفكر عن الصوت.

حل المشكلة:
الاختلاف في تحديد طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر هو دليل وجود اشكالية في هذا الموضوع، والمهم هو توحيد الجهود بغية فهم هذه العلاقة، ولا فائدة من استمرار الجدل العقيم من أجلها، لأن اكتشاف طبيعة هذه العلاقة سوف يعطي معرفة أرقى، ووجود أسعد للإنسان، وذلك هو الهدف المنشود.


اللغة والفكر

مقال حول : اللغة والفكر

"
الطريقة الجدلية"

الأسئلة الاحتمالية:

- هل تنفصل اللغة عن الفكر؟

-
هل الألفاظ حصون للمعاني أم قبور لها ؟

-
هل تعتقد ان اللغة والفكر شيآن مختلفان ؟

-
هل العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال أم اتصال؟

ملاحظة : يجب أن نتحدث هنا على الاتجاه الأحادي والاتجاه الثنائي أي

(
الاتجاه الانفصالي والاتجاه الاتصالي ).

طرح المشكلة : "مقدمة"

لما كان الإنسان اجتماعي بطبعه يميل إلى التعايش مع من حوله من البشر بشتى الطرق والوسائل ، ولما كانت اللغة هي إحدى هذه الوسائل كان لزاما عليه أن يتعامل بها مع بني جنسه على اعتبار أنها وسيلة للتواصل الإنساني وأنها نسق من الرموز و الإشارات الغرض منها التواصل والتفاهم .أما الفكر يعتبر وظيفة نفسية إنسانية ولعل هذا ما جعل الجدل بين العلماء والمفكرين حول ما إذا كانت اللغة تتصل بالفكر أم تنفصل عنه و هُومايدفعنا إلى طرح التساؤل التالي:هل اللغة والفكر شيآن مختلفان أم هما شيء واحد ؟.

العرض :محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:" علاقة اللغة بالفكر علاقة انفصال " يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال ولا يمكن أن تكون علاقة اتصالية ومن بين هؤلاء الفيلسوف هنري براغسونإذ يقر بعدم التناسب بين اللفظة والفكرة "المعنى"اللغة تمتاز بالانفصال وبالتالي هي عاجزة بينما الفكرة متقدمة وبالتالي هي متصلة يقول "براغسون"اعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نمتلك أصواتً " كما يقول أيضا " الفكر ذاتي وفردي بينما اللغة موضوعية واجتماعية " ومن مؤيدي هذا الموقف أيضا الفيلسوففال يريحيث يقول : "إن أجمل الأفكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها " أما أبو حيان التوحيدي فيذهب في رأيه بأنه ليس في قوة اللغة أن تمتلك كل المعاني والأفكار ولعل من مؤيدي هذا الموقف والذين يدافعون عنهأهل الصوفيةإذ يصلون إلى مراتب ودرجات يضيق عنها نطاق النطق فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا واشتمل لفظه على خطاء صريح لا يمكنه الاحتراز منه كما أن الإنسان وفي كثير من الأحيان نجده عاجزا عن التبليغ فهو يشعر بعجز اللغة على مسايرة الفكر هذا ما حصل"للبسطامي" و"الحلاج" و"البدوي" الذي فقد ناقته في الطريق والدليل على ذلك نجد الأدباء وعلى الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية هائلة إلا أنهم يعانون أحيانا من مشكلة التبليغ والتلميذ كثيرا ما تخونه اللغة في تبليغ إجابته إلى المصحح ومن الناحية الواقعية يشعر عامة الناس بعدم المساواة بين قدرتهم في التفكير وقدرتهم على التعبير وهذا ما جعل "براغسون"يحدد نوعين من المعرفة معرفة رمزيةنتحصل بها على معارف رمزية وهي أدوات يتوصل بها العقل العارف إلى الشيء المعروف أما الثانية فهي معرفة حدسية وهي التي نحتاج فيها إلى وسائط بل يكون الوصول إليها مباشر ومن جملة الأدلة التي يؤكد بها القائلون باستقلالية اللغة عن الفكر هي أن الفكر اسبق في تعامله مع الواقع ثم انه لو كانت اللغة كافية لما احتاج الإنسان إلى وسائط أخرى بغرض التعبير عن أفكاره وإلا ما الدافع الذي جعل "فاليري" يقول "إن أجمل الأشعار هي التي لم تكتب بعد "؟

النقد " لكن نلاحظ أنه اذا سلمنا بأن الفكر سابق عن اللغة من الناحية المنطقية فهو غير سابق عنها من الناحية الزمنية و إلا كيف نفسر السبق في الوجود ؟ وبناء على هذا وجهت جمله من الانتقادات لأصحاب هذا الموقف أولها : إن الإقرار بالفصل بين اللغة والفكر فعل تعسفي إذ لا يمكن التقليل من شأن اللغة لأنها الوسيلة التي تنقل الأفكار ثم أنه لولا وجود اللغة لما كتب القرآن وفهمت معانيه فالفكر بدون لغة يبقى حبيس ولا معنى له، يقول "اميلبنفنست " إن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية أو مفاهيم غير مسماة " كما يؤكد الفيلسوف "سيروس"على استحالة الفصل بين اللغة والفكر أما" أبو حامد الغزالي" فيرى بان الفكر وحي داخلي بينما اللغة ترجمة خارجية له.

الموقف الثاني: "علاقة اللغة بالفكر علاقة اتصال "على النقيض من الاتجاه الأول وعلى خلافه ينظر أنصار الاتجاه الأحادي أمثال اللساني السويسري "دوسوسير" والعالم "لافيل"أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة اتصال إذ هما شيء واحد لا يمكن الفصل بينهما بأي شكل من الأشكال كما انه لا توجد أيضا أفكار خارج نطاق اللغة ذلك لان الفكر واللغة ليسا سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة أي كالورقة بوجهيها لا يمكن الاستغناء عن وجه من الوجهين حيث يؤكد هذا الموقف الفيلسوف "مولير" بقوله: "لا يمكن أن يأتي يوم لا تستطيع فيه اللغة الفرنسية التعبير عن مشاعري وأفكاري " كما ذهب كل من "هيجل" وَ "جولياكريستيفا"على أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر هي علاقة تلازم وتبعية وهذا ما جعل الفيلسوف "لافيل" يصرح قائلا " ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر بل جسمه الحقيقي" فعملية التفكير لا تعدو سوى ضربا من الكلام الخافت فقد قيل: "إن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية ما هو إلا حوار داخلي يتم بين الذات ونفسها ومن هذا يتبين أن اللغة والفكر متصلان يشكلان ثنائية متكاملة ومنه لا يمكن القول بأسبقية احدهما على الأخر فهما متطابقان كفاعلية ذهنيه يقول "جونلوك":"إن اللغة عبارة عن علامات حسية معينة تدل على الأفكار الموجودة في الذهن" كما أن الطفل لا يتعلم التفكير إلا إذا تعلم التعبير وهذا إن دل يدل على التلازم أما علم النفس فقد أكد على أن الطفل في مراحله الأولى لا يقوى على شيء حيث يبقى جاهلاً بالعالم الخارجي المحيط به إلا بعد تعلمه واكتسابه للألفاظ والجمل ومن هذا تتشكل لديه الأفكار وتتكون .

النقد"المناقشة":لكن نلاحظ أن هذا الموقف هو الأخر لم يسلم من الاعتراضات من قبل جملة من الفلاسفة واللغويين ذلك لقوله بالوحدوية بين اللغة والفكر وهذا غير مقبول من الناحية النظرية والواقعية كون اللغة إشارات ورموز أي ألفاظ تدل على المعاني بينما العقل هو الذي ينشئ المعاني ويضع لها رموز وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الأسبقية للفكر وليس للغة كونها تعجز أحيانا عن التبليغ ثم انه لو كانت اللغة والفكر شيء واحد لجاز لنا أن نكتفي بواحد منهما دون الأخر كما أننا لو سلمنا بالوحدوية بينهما لوجدنا أن الفكر ثابت بثبات الألفاظ وأن اللغة متغيرة بتغير المعاني وهذا يستحيل

التركيب:" تركيب بين الموقفين":وعموما يمكننا أن نقول لا يمكن الفصل بشكل عملي بين اللغة والفكر ذلك لان اللغة بمثابة الوعاء والفكر بمثابة المضمون لذا قال" ماكس مولير" "إن العلاقة بين اللغة والفكر كالقطعة النقدية الواحدة وجهها الأول الفكر ووجهها الثاني اللغة وإذا فسد أي وجه من الوجهين فسدت القطعة" كما يؤكد هذه العلاقة "دولا كروا" بقوله: "اللغة تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة" أما "ميرلوبونتي" فقد عبر عن هذه العلاقة بقوله: "أن الفكر لا وجود له خارج نطاق الكلمات" أما "هاملتون"هو الأخر اعتبر بأن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفا

الخاتمة :"حل المشكلةوختاما ومما سبق نستنتج أن العلاقة بين اللغة والفكر لاهي انفصالية تامة ولا هي اتحادية مطلقة إذ تطور اللغة يبقى رهين تطور النشاط الإنساني وأخيرا يمكننا أن نقول أن العلاقة بينهما تكاملية تفاعلية أي ثنائية بثنائية الإنسان فهو جسم وروح .



هل اللاشعور فرضية علمية ام افتراض فلسفي


هل اللاشعور فرضية علمية ام افتراض فلسفي نص السؤال: هل اللاشعور فرضية علمية أم أنها تبقى مجرد افتراض فلسفي؟
مقدمة
لقد كان لتطور الدراسات النفسية في العصر الحديث تأثير كبير في مجال علم النفس، وذلك من خلال الإقرار بأن هناك جانبا كبيرا من الحياة النفسية لا يمكن ملاحظته، بحيث أصبح تفسير سلوكات الإنسان يتم بردها إلى هذا الأخير والذي أطلق عليه "اللاشعور". أو ما أصبح يعرف بفرضية اللاشعور الفرويدية والتي أثارت جدلا واسعا وحادا في الأوساط الفكرية والفلسفية وظهر بذلك اتجاهان: الأول منهما رفضها كلية باعتبار أنها لا تتوفر على شروط الفرض العلمي وأنها أقرب إلى التفكير الفلسفي. بينما أكد أنصار الاتجاه الثاني خلاف ذلك وأيدها واعتبرها فرضية علمية وضرورية لفهم ما لا نستطيع تفسيره شعوريا. وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل ترقي فرضية اللاشعور إلى مستوى النظرية العلمية أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد افتراض فلسفي لا أقل ولا أكثر؟ وبعبارة أخرى: هل لفرضية اللاشعور قيمة علمية؟ وهل يمكن تعميمها واعتبارها نظرية شاملة تفسر كل سلوكات الإنسان؟

الموقف الاول
يرى عدد من المفكرين والعلماء بأن: "فرضية اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة" وهو الطرح الذي يتبناه أنصار مدرسة التحليل النفسي ومن أبرزهم: "فرويد" الذي رفض أن يكون أساس الحياة النفسية هو الشعور، وأكد أن الأساس الحقيقي والذي تنبني عليه حياتنا النفسية هو اللاشعور، لأن النفس أوسع من الحياة الشعورية ولهذا فالشعور لا يشكل إلا جزءا ضئيلا من النفس، لهذا نجده يقول: "وما الشعورية منها إلا أفعال معزولة وأجزاء من الحياة النفسية جمعاء". لأن التحليل النفسي أثبت فعاليته في السلوك واستنبط ذلك من خلال متابعته لبحوث "بروير" فبرهنت له على أن أعراض أمراض الهستيريا مصدرها الخبرات الماضية التي ترجع إلى الشعور أثناء التنويم المغناطيسي، ومثال ذلك: الطفلة التي كانت تعاني حبسة حسية في حركة الجفون. فكشف عن طريق التنويم أن سببها يعود إلى أنها كانت تمنع نفسها من البكاء خوفا من أبيها المريض، لكن ولما حملته طريقة التنويم المغناطيسي من سلبيات ونقائص من أهمها كشف بعض أسرار المرضى وأن نتائجها أيضا كانت محدودة، دفع هذا "فرويد" للبحث عن طريقة أخرى أجدى وأنفع للعلاج وانتهى به الأمر إلى اكتشاف التحليل النفسي. الذي يقوم على التعبير ثم التداعي الحر، وتأكد من خلاله من أن أعراض الهستيريا تنشأ نتيجة لإخفاء بعض الذكريات والأحداث المكبوتة. ولاحظ بعض التحسن عندما يسمح للمريض بالتحدث عما وقع له في الماضي، وانجر على هذا إثبات أن النفس تحتوي الشعور واللاشعور معا، حيث يقول "فرويد": "إن كل شيء هو في هذا المقام الأول لاشعوري" أما الخاصية الشعورية قد تظهر أو لا تظهر لقوله: "إن الشعور إلا جزء ضئيل من الحياة النفسية"، ولهذا يعرف "فرويد" اللاشعور أنه تلك الحوادث النفسية الباطنية التي تؤثر في سلوك الإنسان دون وعي منه، وقد استدل عليه من خلال فلتات اللسان مثل قولنا إن لقاءنا القادم "أنحس" فرصة بدلا من "أحسن". وزلات القلم مثلا يكتب صديق لآخر فيقول: "أحمد الله على النقمة التي أنت فيها" بدلا من "النعمة". لهذا قد يقوم الناس في حياتهم بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ويظهر ذلك على الخصوص في هفوات اللسان وزلات القلم. وهي دلالة نفسية على النفور، الغيرة، الحسد، والكراهية وليست صادرة عن سهو وتعب كما يظن الناس، وكذلك النسيان له صلة بالميول والرغبات المكبوتة واللاشعور، فالإنسان يميل إلى كبت الحوادث النفسية المؤلمة. وكل ما قد يسبب له إحراجا. بالإضافة إلى دليل الأحلام أيضا حيث يعتبر النوم الفرصة المواتية لظهور الميول والرغبات في اللاشعور وذلك في صور رمزية، مثلا أن سيدة تذكرت أنها كانت في طفولتها كثيرا ما ترى الله في المنام واضعا على رأسه قبعة من الورق، فهذا الحلم يبدو غريبا وغير معقول، لكن ذلك يزول عندما نعلم من السيدة أن أهلها كانوا يضعون على رأسها مثل هذه القبعة لتخليصها عند الجلوس إلى المائدة من عادة استراق النظرات إلى صحون إخوانها لتتأكد من تساوي حصص الأكل. وعندما تعرف أيضا أن أهلها كانوا يقولون لها أن الله يرى ويعلم كل شيء. فهي أيضا ترى وتعلم كل شيء على الرغم من أهلها. ولهذا فإن عالم الأحلام يعتبر ميدانا خصبا لتحقيق الميول والرغبات اللاشعورية وذلك بطريقة خيالية وهمية.هذه إذن هي دلائل "فرويد" على وجود اللاشعور. ومن خلال هذا كون الجهاز النفسي حيث نظر للحياة نظرة مخالفة لعلم النفس التقليدي وتأثر بفكرة الأجهزة في البيولوجيا، وقسم النفس إلى: "الانا": وهو إدراكي يراقب النشاط الإرادي لأنه يمثل الذات الواعية التي تتصرف وفق مقتضيات الظروف والأحوال. (الهو الليبيدو): ذلك الجانب الخفي من النزعات والرغبات المكبوتة في النفس بطريقة غير مباشرة لا يعيها الإنسان، أي مجموعة من الدوافع والرغبات المكبوتة التي تحاول الإرضاء، وهو لا يخضع إلى مبادئ العقل والأخلاق، وهو مصدر الطاقة النفسية والمحرك لنشاط الإنسان وإبداعاته. الأنا الأعلى (الضمير): وهو مجموعة من القيم الأخلاقية والقواعد الاجتماعية والأوامر والنواهي التربوية والواجبات الدينية التي يلزم بها الطفل عن طريق الأبوين والمربين على الاستسلام إلى مطالب المجتمع وقوانينه، وصرف الرغبات الجنسية والعدوانية نحو موضوعات سامية.
وبالتالي يمكننا القول أن "فرويد" يرى أن لفرضية اللاشعور قيمة علمية وأن التسليم بها ضروري لتفسير سلوك الإنسان. وذلك لأن:
* فرضية اللاشعور ساعدت علماء النفس على فهم الكثير من حالات الاضطراب النفسي (أزمات نفسية، عقد، نكوص...) وحتى بعض السلوكات العادية التي نعجز عن تفسيرها بإرجاعها إلى الشعور.
* فرضية اللاشعور تقوم على أساس أن الرغبات المكبوتة والأهواء التي لا يمكن إظهارها لا تفقد ديناميتها وسعيها نحو الظهور.
* من الناحية الإجرائية نجد كثيرا من مظاهر الحياة النفسية لا يمكن تفسيرها بالوقوف عند الحياة الشعورية مما يستوجب اللجوء إلى افتراض جانب لا شعوري يكبت لتعارضه مع متطلبات الواقع، ويبقى يمارس تأثيره على الحياة النفسية. فلقد تمكن "فرويد" من خلال تحليله لفلتات اللسان وزلات القلم وغيرها من أفعال الشعور البسيطة وخاصة من خلال تحليله للأحلام من الوصول إلى كشف الرغبات اللاشعورية التي تؤثر بعمق في سلوك الإنسان.
تبريرهم لقيمة فرضية اللاشعور الفرويدية إذ أن هذه الفرضية ورغم ما حققته تبقى بعيدة عن أن تكون بمستوى النظرية العلمية. فرغم القيمة العلمية لنتائج التحليل النفسي إلا أنه يبقى منهجا عياديا لا يمكنه أن يمدنا بنتائج يمكن تعميمها. وتبقى مجرد تصور حاول "فرويد" تطبيقه على فئة معينة، وهذا ما جعلها لا ترتقي إلى المستوى العلمي لأنه لا يمكن التحقق من صدقها دائما، هذا ما أدى إلى ظهور اعتراضات ضد التحليل النفسي الفرويدي خاصة واللاشعور عامة
نقيض الاطروحة الموقف الثاني
إذ يرى عدد آخر من المفكرين أن اللاشعور ما إلا مجرد تصور فلسفي غير قابل للتجسيد في أرض الواقع لأن الأعراض التي لا نجد لها تفسيرا في الحياة الشعورية هي أعراض وهمية والإقرار بذلك يوقعنا في تناقض والعقل لا يقبل ذلك، لذا لا يمكننا أن نقول بأن هناك حياة لا شعورية إلى جانب الشعور، وبالتالي فأدلة "فرويد" غير كافية لذلك. كون أن المنهج الذي اعتمد عليه "فرويد" في تبرير اللاشعور لا يمكن تعميمه على جميع الأفراد، لأن تطبيقه كان على المرضى فقط لا الأصحاء، وهذا ما دفع "فرويد" إلى القول في كتابه ما فوق مبدأ اللذة بأنه هو في حد ذاته غير مقتنع، وأنه لا يعمل على إغراء غيره من الناس بالإيمان بذلك، كما أن ربط وجود اللاشعور بالغرائز وخاصة "الليبيدو" جعل من الفرد شبيها بالحيوان الذي تسيره غرائزه فقط، لهذا لا يمكن رد الحياة النفسية للاشعور ولليبيدو وإنما يمكن رده إلى إحساس الفرد بالقصور مثلا، ذلك أن المصاب بقصور عضوي يسعى إلى تعويض هذا القصور وتغطيته بالأعراض العصابية، وهذا ما حاول أن يؤكد عليه "آدلر". إضافة إلى ذلك نجد أن شخصية الفرد وطبيعتها مرتبطة بإرادة الفرد في ذلك، لهذا لا يمكن ردها إلى الغريزة الجنسية ذلك أن الفرد الذي يسيطر على ذاته ويتجه إلى الأشياء والآخرين أكثر مما يتوجه إلى نفسه لا يمكن أن تستبد به غريزته، لهذا نجده منبسطا واجتماعيا، على غرار المتجه إلى نفسه حيث نجده أسير نزواته وغرائزه، وهذا هو مضمون تفسير "كارل يونغ". هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن وجود مقاومة من طرف المريض وعدم استسلامه النهائي للطبيب دليل كاف على عدم وجود حالات لاشعورية، ومرد ذلك كله هو خوف المرضى من رؤية الحقيقة. كما أنه لا يمكننا تفسير جميع السلوكات بسبب واحد هذا ما جعل فكرة اللاشعور فكرة فلسفية لا يمكن لها أن ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية كون هذه الأخيرة تقوم على ثابت، وهذا يتناقض مع الحياة النفسية التي تمتاز بالتغير والتنوع، وبالتالي مبدأ اللذة غير كاف لتفسير سلوك الفرد. و من الذين رفضوا فكرة اللاشعور الفرويدي، الطبيب النمساوي ستيكال، الذي قال:" لا أومن باللاشعور، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى، لكنني بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة، إنما هي تحت شعورية، و أن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة". فاللاشعور مجرد تجاهل للأفكار و الحقائق.
كما يرفض سارتر فكرة اللاشعور و يعتبره مجرد خداع، و يعبر عن هذا في نظريته "خداع النفس".
النقد: لكن ورغم هذه الاعتراضات إلا أنه لا يمكننا أن نلغي ما أثبتته التجارب الإكلينيكية (العيادية) و حتى من الوجهة التفسيرية: فنظرية "فرويد" فتحت باب النظر العقلي إلى المشاكل الشخصية من خلال دراسة الحياة الجنسية. كما أنها صنعت مناهج تحليلية بصورة معدلة قليلا أو كثيرا، عيادات إرشاد الأطفال، و أن تهيء التكيف الحسن في الحياة. بالإضافة إلى أن مجهودات فرويد أحدثت ثورة في فهم الأمراض العصابية و علاجها. وبالتالي ساعدت على توسيع فهم الحياة النفسية و اضطراباتها و مستوياتها المختلفة.
التركيب: وعليه يمكننا القول إن فرضية اللاشعور ساعدت على الكشف عن الجانب الخفي من الحياة النفسية وكان لها دورها في تفسير كثير من المظاهر السلوكية، ولكن ذلك لا يعني تعميمها واعتبارها فلسفة شاملة تفسر كل سلوكات الإنسان، فاللاشعور بالنسبة للعلاج النفسي يعد مفتاحا، يشعر أصحابه أنه لا يمكنهم الاستغناء عنه. ولكنه من الخطأ أن نجعل منه مفتاحا عموميا نفتح به جميع الأبواب بحيث نفسر كل سلوك إنساني على ضوء معطيات التحليل النفسي
الخاتمة: نستنتج أن نظرية اللاشعور إبداع في مجال التحليل النفسي، أدى إلى الكشف عن كثير من الاضطرابات النفسية و السلوكية، و فتحت أبواب بحث كثيرة أمام الدارسين، إلا أنه لا يمكن أن نعتبر اللاشعور محققا لمستلزمات الدقة العلمية رغم أنه قد حظي ببعض الاتضاحات في النهاية بفضل ما تزودنا به من حين لآخر، نتائج المشاهدات الإكلينيكية. وإذا كان لحجج التحليل النفسي فضل، فإنه في الحقيقة ليس في اكتشاف اللاشعور وإثبات وجوده بقدر ما هو في اكتشاف وظيفة النشاط السيكولوجي اللاشعوري والإلحاح عليه

هل الأسرة مؤسسة ضرورية أم أكيد إلى الزوال ؟


هل الأسرة مؤسسة ضرورية أم أكيد إلى الزوال ؟
مقالة حول هل الاسرة مؤسسة اجتماعية ضرورية
المقدمة:الأسرة بالمعنى الحديث هي وحدة اجتماعية تتألف من أبوين و أطفالهما. و هي تختلف عن الأسرة قديما من عدة جوانب كالنطاق و محور القرابة و الوظائف. فالوظائف الحالية مثلا قليلة إذا قيست بما كانت عليه في العصور الماضية. لقد كانت الأسرة القديمة تقوم بوظائف متنوعة في المجالات السياسية( التشريعية، التنفيذية، و الدفاعية) و الدينية و التربوية و الاقتصادية و الصحية...إلخ إلا أن تطور الحياة الاجتماعية و تعقدها دفعا المجتمع الحديث إلى خلق مؤسسات تنوب عن الأسرة في أدائها لهذه الوظائف، و تخفف عنها أعباءها و من هنا التساؤل: ما هي وظائف الأسرة بعد أن زالت عنها هذه الأعباء؟ و ما مصير الأسرة؟و هل حقيقة يمكن أن يحكم عليها بالزوال؟
عرض الأطروحة: يذهب البعض من الفلاسفة إلى أن الأسرة محكوم عليه بالزوال في المستقبل إذا تألفت من الزوج و زوجته فقط، و إذا انتزعت الدولة الأطفال من آبائهم و أخذت على عاتقها تربيتهم على أن يصبحوا مجرد مواطنين لا ينتسبون إلى أسرة معينة. و دليلهم على ذلك، أن وظائف الأسرة التقليدية كانت واسعة، تشمل جميع شؤون الحية الاجتماعية ، غير أن المجتمع أخذ ينتقص منها و ينشئ لكل وظيفة هيئة مستقلة، فلقد أنشأ المجالس النيابية مكان الوظيفة التشريعية، و الحكومات مكان السلطة التنفيذية و المعاهد الدينية و المدارس مكان الوظائف الدينية و التربوية. و المؤسسات الاقتصادية و المصانع مكان الوظيفة الاقتصادية. و المؤسسات الأمنية للمحافظة على الأمن و الممتلكات و الأرواح. هكذا أصبح المجتمع هو الذي يشرف تقريبا على جميع الأعمال التي كانت على عاتق الأسرة القديمة. و يذهب أنصار النزعة الاشتراكية و خاصة ماركس و أنجلز إلى أن التوفيق بين الطبقات و محوها يقتضي إلغاء الأسرة لأنها تحول دون محو الفوارق الموجودة بين الأفراد، و في هذا المعنى يرى أنجلز أن الأسرة تتأسس في جوهرها على الملكية الخاصة و توارثها، فهي من الناحية الاجتماعية تغذي البنية الرأسمالية و يوم تنتقل وسائل الإنتاج إلى الملكية المشتركة، لن تبقى الأسرة الفردية الوحدة الاقتصادية للمجتمع، فالاقتصاد العائلي يتحول إلى صناعة جماعية. و العناية و تربية الأطفال تصبح مسألة عمومية، فالجميع يقدم عناية متساوي لجميع الأطفال، و هكذا يظهر لنا أن بقاء الأسرة تعزيز للصراع الطبقي.
كما أن الروح العائلية تقيد حرية الفرد و تزرع فيه عواطف تجعل منه كائنا لا يقوى على تجاوز حدود الأسرة. و التاريخ يشهد بأن الأسرة التقليدية تمارس نوعا من الطغيان على الفرد، و تستبد به و لا تتركه طليقا، الأمر الذي دفع أنصار النزعة الفردية خاصة "جيد" إلى انتقاد طابع الإكراه الذي تتسم به الأسرة. فهو يسعى إلى تحرير الفرد و يجعله متمتعا بشخصيته ، و ذلك أن القيود التي تفرضها الأسرة على الطفل تشل إرادته و تعيق تطوره، لأن الأمر كما يقول، سجن اجتماعي بمعنى الكلمة يستولي على الفرد، فالفرد مهما بلغ من السن، فإنه يبقى دائما مرتبطا بوالديه بحكم العاطفة العائلية.
نقد الأطروحة:غير أن انحلال الأسرة و انهيارها يجرد المجتمع من أهم مقوماته. لأن الأسرة هي الدعامة الأساسية للمجتمع، فصلاحه مرتبط بصلاحها، كما أن أغلب الأمم التي كانت تتصور المجتمع بدون أسرة انتهت إلى الاعتراف بالأدوار الأساسية التي تلعبها الأسرة خاصة في التربية و الغذاء الروحي.
نقيض الأطروحة:و في مقابل هذا الاتجاه ظهر اتجاه آخر يرى أنصاره، أن الأسرة و حدة اجتماعية ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، فمهما بلغ المجتمع من تقدم و تطور فلا يمكنه أن ينوب عن الأسرة في الوظائف العائلية المحصنة، كالوظيفة البيولوجية، و الاجتماعية، و السيكولوجية.
فمن أهم وظائف الأسرة تنشئة الأطفال و تربيتهم التربية الاجتماعية. و إدا كانت صغار الحيوانات لا تبقى تحت الرعاية إلا مدة قصيرة من الزمن ثم تستقل بنفسها نهائيا، فإن الإنسان قبل أن يمارس الحياة الاجتماعية بنفسه يبقى في أحضان عائلته التي تنشغل بتربيته مدة طويلة. فطفل الإنسان يولد كحيوان ضعيف لا حول له و لا قوة، فهو في حاجة إلى من يغذيه و يحميه من البرد و الحر و الأمراض. كما يتلقى من والديه السلوك و الآداب العامة، و الأسرة باعتبارها نظاما اجتماعيا تؤثر فيما عداها من النظم الاجتماعية، إن المدرسة مثلا يتوقف نجاحها في أداء رسالتها التربوية على مقدار المعونة التي تقدمها لها الأسرة. و لا تزال الأسرة إلى وقتنا هذا، و خاصة في الأوساط الريفية محتفظة بالكثير من وظائفها التقليدية.
غير أن التنشئة و التغذية في الإنسان ليست مادية و حسب و لا أخلاقية فقط، إنها نفسية أيضا، و هذه الوظيفة لا تكاد تشاركها فيها أية مؤسسة أخرى. فقد أثبتت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات حكومية بعيدا عن الوسط العائلي،

 يعانون من ضعف في النمو، فقد اكتشف الطبيب "روني سبيتز" أن الطفل يستطيع أن يعاني الآلام من الناحية الجسدية بسبب إبعاده عن أمه في 61 طفلا قدموا من مختلف الأوساط و تربوا في مؤسسات حكومية منذ ولادتهم سجل عليهم تراجعا ملحوظا ابتداء من الشهر الرابع للنمو العام بالنسبة للمعدل. و يبلغ هذا التراجع 50 بالمائة في العام الأول. أما في العام الثاني فنموهم يمكن أن يعادل نمو المعتوهين. في حين أن الأطفال الذين تشتغل الم بتربيتهم و الاعتناء بهم يكون نموهم سويا، لأن الأم حين تغذي ولدها تغذية أيضا بالعواطف و الحنان. فالتزود بالغذاء المناسب يستلزم أكثر من السعرات الحرارية و الفيتامينات.
نقد نقيض الأطروحة:لكن مهما كان وجود الأسرة في المجتمع بمثابة الدعامة أو المحرك الضروري، فإن هذا المحرك قد تترتب عنه عواقب وخيمة، لأن الأسرة، إذا دب فيها التفكك، تنتج أفرادا ضعاف النفس و الشخصية.
التركيب:إن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، و على المجتمع أن يعمل على رعايتها، و لا يترك الآباء يمارسون سلطتهم كاملة على ذريتهم، و أن يقدم لهم يد المساعدة و يمدهم بتوجيهات و إرشادات تسمح لهم بأن يصنعوا أجيالا صالحة. فإن المجتمع السليم هو المجتمع الذي يحرص على إبقاء الأسرة و صيانتها. و الأسرة الصحيحة هي الوحدة الاجتماعية التي تعمل على الاحتفاظ بنجاعتها الأخـلاقية و الاجتماعية، و خاصة النفسية. و إذا كانت الأسرة قد فقدت الكثير من وظائفها فذلك من أجل أن تتفرغ لوظيفتها الخاصة التي لا يستطيع منطق التطور القضاء عليها. فبمقدار ما تفتقد الأسرة من وظائفها، الواحدة بعد الأخرى بمقدار ما تعثر على وظيفتها الخاصة.
الخاتمة:و في الأخير نستنتج أن الأسرة ذات أهمية كبرى، و عليه تتوقف إلى حد بعيد، قـوة المجتمع و مناعته. و لقد نوه البعض من المربين بأهميتها الخطيرة و دورها الايجابي قائلين: " لقد نال النوع البشري حضارة بفضل الأسرة، و إن مستقبله يتوقف على هذه المؤسسة أكثر من أية مؤسسة
أخرى

هل الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال و التلاشي ؟


- هل الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال و التلاشي ؟

إذا كانت الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع و ثمرة لنظام الزواج ، فما هو الدور الأساسي الذي يجب إن تلعبه في الحياة الاجتماعية ؟ و إذا كانت الحياة الزوجية معرضة لعوائق و مشاكل فكيف السبيل إلى مواجهتهـــا ؟ما هي الأسـرة ؟ الأسرة هي كل جماعة من الناس يعيشون معا في إطار مؤسسة الزواج ، و القرابــة
طرح المشكلة :هل الأسرة مؤسسة قابلة للتلاشي ؟
ا- الموقف الأول / .إن الأسرة مؤسسة قابلة للانحلال وذلك بتلاشي وظائفها ، إذ بإمكان الفرد أن يستغني عنها وتلبية مطالبه الأساسية لوحده ، فالشباب في المجتمعات الغربية بمجرد بلوغهم سن الرشد يغادرون عائلاتهم ويتحملون مسؤوليتهم في بناء مستقبلهم لوحدهم ، وأكثر من ذلك أصبحوا ينظرون إلى الروابط الأسرية كقيود تقضي على حريتهم وعلى كيانهم الفردي المستقل. إن الشعور بالأنا يقتضي التحرر من سلطة الوالدين حسب رأي البعض . هذا من جهة ،ومن جهة ثانية اعتبر الفيلسوف الألماني هيجل Heggelأن نهاية الأسرة هو الانحلال ليتحول أعضاؤها أفرادا في المجتمع يخضعون لسلطة خارجية ، تربطهم قوانين موضوعية لا روابط عاطفية و ذاتية كحال الأسرة ، و الأسرة في نظر الشيوعيين مؤسسة تكرس الانقسام و تعمق الفوارق بين الناس وتهدف إلى إنشاء مجتمع الطبقات الذي لا يخدم المجتمع الشيوعي القائم على المساواة و العدالة الاجتماعية ، لقد كانت الأسرة سببا في نشوء السلطات الملكية التي استولت على حرية الشعوب وممتلكاتهم ، كما كانت سببا في بقاء الأنظمة الطبقية الاستبدادية ،غير أن ظهور الاشتراكية قضى على الأسرة وجعل أفرادها جزء من الدولة تستمد منهم قوتها ويستمدون منها متطلبات حياتهم ، إذ أصبحت الدولة هي التي تتكفل بتربية الأطفال وتعليمهم و رعايتهم وتوظيفهم وتسخيرهم للصالح العام ولم يبقى للأسرة أي وظيفة
النقد/ مهما شعر الفرد بالضيق تجاه أسرته إلا أن ذلك ليس سببه وجود الأسرة بل سببه سوء المعاملة بين أفرادها ،و مهما بدت الدولة أكثر قوة من الأسرة غير أنه بدون أسرة ما كان هناك فرد أو مجتمع على الإطلاق.
ب- الموقف الثاني / الأسرة مؤسسة ضرورية وغير قابلة للانحلال والتلاشي وتتمثل أهميتها في الوظائف التالية:
*الوظيفة البيولوجية / تتمثل في التكاثر الذي يحفظ به النوع البشري . و تنظيم العلاقات الجنسية ، فالزواج يضمن طريقة شرعية و صفة اجتماعية للأطفال ،ويحارب الإنجاب غير الشرعي الذي لا يخدم المجتمع . كذلك المعاشرة الزوجية تبنى على إشباع الرغبات الجنسية باعتبارها سنة الحياة الطبيعية القائمة على الفطرة .اعتبر البيولوجيون هذه الوظيفة من المقومات الأساسية للأسرة .بدونها تنتهي الأسرة بالانحلال و الزوال من الوجود . إذن لا يمكن للمجتمع أن يستمر في الوجود إلا من خلال إنجاب الأطفال ورعايتهم و حمايتهم. .
*الوظيفة الاقتصادية /تتمثل في الإنفاق . فالأسرة مؤسسة اقتصادية صغيرة تنتج و تستهلك و تدخر الفائض من أجل توفير الغذاء و الملبس و المأوى و كل ضروريات الحياة لأفرادها ، و هذا بفضل الأجرة التي يقتنيها رب البيت من وظيفته الخارجية ، لذلك أصبح العمل من الشروط الأساسية للزواج والضامن لبناء الأسرة واستمرارها . ويؤكد الواقع أن اغلب المشاكل التي تتخبط فيها بعض الأسر تعود بالدرجة الأولى إلى عدم تحقيق اكتفائها الذاتي في سد حاجياتها .
*الوظيفة النفسية / للأسرة روابط نفسية تتجلى في صور الحب و الحنان و التآلف ، و الاهتمام المتبادل ، و هذه الوظيفة تعد بمثابة الحبل القوي الذي يشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض . و من خلال العلاقة الأولية المبكرة بين الأم و الطفل ، يحصل الطفل على حاجته في الرعاية و الأمن ، فتتحول فيه المرأة من أم بيولوجية إلى أم سيكولوجية ، إن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له أثره البالغ في تكوينهم تكوينا سليما ، فإذا لم يرع الآباء ذلك فان أطفالهم يصابون بعقد نفسية تسبب كثيرا من المشاكل في حياتهم ولا تثمر وسائل النصح و الإرشاد التي يسدونها لأبنائهم ما لم تكن هناك مودة صادقة بين أفراد الأسرة . و قد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة و أكثرها تمهيدا لاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه ،كما أن تفاهم الأسرة وشيوع المودة فيما بينهما يساعد على نموه الفكري وازدهار شخصيته .
*الوظيفة الاجتماعية / تتمثل في التنشئة الاجتماعية ، فالأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع ، و إذا فسدت فسد المجتمع . و هنا تكمن مهامها الاجتماعية في تربية النشء على المبادئ الاجتماعية و القيم الأخلاقية و الحضارية، فالسنوات القليلة الأولى في حياة الطفل تنقضي معظمها في نطاق الأسرة حيث تقام دعائم الشخصية قبل دخول مؤثرات أخرى كالمدرسة وغيرها .. والأسرة تساعد الفرد على الاندماج في المجتمع والامتثال للعادات والتقاليد و القوانين .هكذا تعمل من اجل أن يبقى الفرد وفيا للمجتمع الذي ينتمي إليه ، و ينمو داخله نمو سويا .
النقد: لكن الأسرة إذا لم تع دورها المنوط بها و إذا كانت تبالغ في مراقبة أفرادها، قد تمثل قيدا أمام نمو قدراتهم، وتقضي على حريتهم و استقلالية شخصيتهم و كيانهم الفردي المستقل

التركيب ما هي تحديات الأسرة ؟ تواجه الأسرة مشاكل قد تؤدي إلى تفككها ، و يعود السبب إلى انحراف أفرادها وتخليهم عن واجباتهم في الرعاية والحماية و توفير ضروريات الحياة ، و هذا ما يفسح المجال إلى نشوب الأزمات وتراكمها ، و ينتهي الأمر بالطلاق أو الهجر . فللطلاق أو الهجر أذن أسباب اقتصادية و اجتماعية و نفسية و أخلاقية ، غير أن هذه العوائق يمكن تجاوزها بتوثيق العلاقة بين الزوجين على أساس المحبة والإخلاص و المودة ، و حل الخلافات و المشاكل بالتفاهم و الحوار المتبادل وتقديم المصلحة العامة للأسرة على المصلحة الشخصية الضيقة ، فالأسرة كيان موحد ،و منظومة ثقافية ، ورابطة خلقية و علاقة روحية تقوم على قيم سامية قبل أن تكون مجرد علاقة جنسية ضيقة .و من اجل تغطية العجز الاقتصادي خرجت المرأة إلى العمل لتساعد الرجل على تحقيق الاكتفاء الذاتـي ، بهذه الكيفية

تحافظ الأسرة على كيانها ووحدتها وتساهم في بناء المجتمع و الحضــــــــارة.

الخاتمة حل المشكلة: مما سبق نخلص إلى أن الأسرة تبقى مؤسسة اجتماعية ضرورية لا يمكن لأي مؤسسة أخرى أن تعوضها داخل المجتمع. و عليه فالأسرة - رغم التطور الذي حصل و يحصل في المجتمع- تبقى غير قابلة لانحلال والتلاشي

هل يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية للتجريب

المقالة الجدلية الأولى : إمكانية اخضاع العلوم الإنسانية للتجريب
نص السؤال : هل يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية للتجريب
طرح المشكلة:
تعتبر الظواهر الطبيعية من أكثر الظواهر استعمالا التجريب وبقدر ما تتعقد الظاهرة أكثر بقدر ما يصعب التجريب عليها ومن الأكثر الظواهر تعقيدا الظاهرة الإنسانية فمادام الإنسان يتأثر ويؤثر في الآخرين وهو بذلك يتغير من حال إلى حال آخر ولا يبقى حول وتيرة واحدة وحولها ظهر خلال حاد بين المفكرين والفلاسفة موقف يرى أن العلوم الإنسانية بإمكانها أن تخضع إلى التجريب والبعض الآخر يرى باستحالة التجريب على العلوم الإنسانية والإشكالية المطروحة هل يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية إلى التجريب ؟
محاولة حل المشكلة
أ – الأطروحة : عرض منطوق المذهب الأول وذكر بعض ممثليه
يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية للتجريب وتمثله كل من مالك بن النبي وابن خلدون حيث ذهبوا بالقول إن التجربة أمر ممكن على الظاهرة الإنسانية فهي جزء من الظاهرة الطبيعية ثم سهولة التجربة عليها ودراسة هذه الظاهرة دراسة العلمية ودليلهم على ذلك إن هناك الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية والتاريخية فالدراسة تدل على ومن ثم يستعمل التجربة وهي دراسات علمية خالية من الذاتية وهذا ما نجده عند ابن خلدون والمالك بن النبي وكذلك إن الملاحظة أمرممكن في الظاهرة الإنسانية لأنها ليست نفس الملاحظة المستعملة في الظواهر الطبيعية الأخرى فالملاحظة المستعملة هنا هي ملاحظة غير مباشرة بمعنى أن الباحث يعود إلى الآثار المادية والمعنوية التي لها صلة بالظاهرة المدروسة كذلك إن التجريب في العلوم الإنسانية يختلف عنه في العلوم الطبيعية ففي هاته العلوم يكون التجريب اصطناعي لكن في العلوم الإنسانية فيكون حسب ما تحتويه الظاهرة فالمثل الحوادث التاريخية يكون التجريب عليها عن طريق دراسة المصادر التاريخية الخاصة بهذه الظاهرة وتحليلها وتركيبها إضافة إلى هذا المبدأ السببي المتوفر في الظاهرة الإنسانية لأنها لا تحدث بدون سبب بمعناه أنها ظواهر غير قابلة للمصادفة مثلا سبب حدوث الثورة الجزائرية الاستعمار الذي يقيد الحريات أما مبدأ الحتمية فهو نسبي في هذه العلوم لأنها اليوم كيفية وليست كمية وتعدم وجود مقياس دقيق ومن الصعب أن يقف العالم موقف حياديا في العلوم الإنسانية ولكن هذا لا يعني انه لاستطيع أن يتحرر من أهوائه ورغباته والواقع
النقد شكلا ومضمونا :
شكلا : إما أن تكون الظاهرة الإنسانية تجريبية أو لا تجريبية
مضمونا : مهما حاولت العلوم الإنسانية تحقيق نتائج إلى أنها تبقى تفتقر إلى اليقين والدقة لان القياس أمر صعب التحقيق عليها إضافة إلى تدخل ذات الباحث في التفسير .
ب – نقيض الأطروحة : عرض منطوق المذهب الثاني وذكر بعض ممثليه :
استحالة التجريب على الظواهر الإنسانية يرى أنصار هذا التجريب غير ممكن على الظواهر الإنسانية لان الظواهر لا يمكن دراستها دراسة علمية فهي ترفض كل تطبيق تجريبي نظرا لطبيعة موضوعها وتمييزها بالتعقيد مستدلين على ذلك بأدلة والحجج أن العلوم الإنسانية تختص بالظواهر التي تتعلق بدراسة الإنسان فقط وبالتالي يكون الإنسان دارس ومدروس في نفس الوقت وهذا أمر صعب فهي علوم لا تتوفر على الموضوعية نظرا إلى طغيان التفسيرات الذاتية الخاصة بميول ورغبات الإنسان وهذا يؤدي إلى عدم الإقرار في حقيقة الموضوع ومن ثم تكون الملاحظة والتجربة أمرا غير ممكن في العلوم الإنسانية لان ظواهرها مرتبطة بزمان والمكان عدم تكرار التجربة يجعلها مستحيلة في هذه العلوم فهي ظواهر متغيرة ومعقدة وغير قابلة للتجزيء إضافة إلى هذه العوائق هناك عوائق أخرى تتمثل في تدخل معتقدات وتقاليد المجتمع في شخصية الباحث مما يجعه مقيد بها فعلوم المادة تختلف عن علوم الإنسانية نظرا لعدم تكرار الظاهرة الإنسانية وفي نفس الوقت وفقا للشروط والظروف المحددة هذا ما جعل صعوبة الدقة في التنبؤ لأنه إذا ما تمكن من ذلك استطاع أن يؤثر على هذه الظواهر لإبطال حدوثها أو على الأقل التأكد من حدوثها إن تعقد الظاهرة الإنسانية وتشابكها أدى إلى استحالة إخضاعها للمبدأ الحتمية وبالتالي صعوبة التنبؤ بما سيحدث في المستقبل .
النقد شكلا ومضمونا :
شكلا : إما أن تكون الظاهرة الإنسانية تجريبية أو لا تجريبية لكنها ليست تجريبية إذن فهي تجريبية
مضمونا : لكن التجريب ممكن على الظواهر الإنسانية وذلك لان العلوم الطبيعية تختلف عن العلوم الإنسانية من خلال الموضوع والمنهج.
ج – التركيب :
إن الظاهرة الإنسانية يمكن إخضاعها إلى التجريب لكن المفهوم يختلف عن العلوم الطبيعية وإذا كان المنهجان يختلفان في الخطوات فإنهما يتفقان في النتائج
الموقف الشخصي : يمكن تجريب على الظواهر الإنسانية لكن بمفهوم منسجم وطبيعتها .
حل المشكلة : 
ما نستنتجه مما سبق /إن التجريب ممكن على العلوم الإنسانية لكن هناك بعض العوائق وذلك راجع إلى المنهج أو الموضوع بحد ذاته بحد ذاته

هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك


هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟
طرح المشكلة: يعتبر الإحساس ظاهرة نفسية و فيزيولوجية أولية متولدة عن تأثر إحدى الحواس بمؤثر ما , وبذلك فهو أداة اتصال بالعالم الخارجي ووسيلة من وسائل المعرفة عند الإنسان بينما الإدراك هو عملية عقلية معقدة نتعرف بها على العالم الخارجي بواسطة الحواس فنقوم بتأويل و تفسير و تحليل الإحساسات و إعطائها معنى في العقل ومن خلال تعريفهما تظهر العلاقة القائمة بينهما والتقارب الكبير الذي يجمعهما لكن هذا ما أثار إشكالا و جدلا كبيرين لدى الفلاسفة و علماء النفس حول طبيعة العلاقة التي تجمعهما فرأى البعض أنه يمكن الفصل بينهما, بينما أعتبر البعض الاخر أنهما عمليتان متصلتان و من هنا نطرح التساؤل التالي هل يمكن التمييز بين وظيفتي الإحساس و الإدراك في التعرف على العالم الخارجي المحيط بنا ؟ أم أنهما عملية واحدة؟
 محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة:يؤكد علم النفس التقليدي على ضرورة الفصل بين الإحساس و الإدراك و يعتبر الإدراك ظاهرة مستقلة عن الإحساس إذ يرى كل من العقليين و التجريبيين أنه من الضروري التمييز بين الإحساس و الإدراك للتعرف على العالم الخارجي الحسي، فالعقليون بزعامة ديكارت و باركلي وآلان يرون أن الإحساس مجرد عملية فيزيولوجية لا توصل الى المعرفة فهو يمدنا بتصورات حسية خالية من المعنى و على النقيض من ذلك يعتبر الإدراك عملية ذهنية معقدة تعتمد على الكثير من العمليات النفسية الأخرى و بواسطتها نتعرف على الأشياء و نعطيها معنى.
أما الحسيون بزعامة أرسطو وجون لوك و دافيد هيوم فيرون أن الإحساس منفصل عن الإدراك و هو أساس اتصالنا بالعالم الخارجي لان كل ما في العقل ليس فطريا بل مستمد من التجربة الحسية
الحجج و البراهين : و ما يثبت أن الإحساس و الإدراك ظاهرتان منفصلتان : ما ذهب إليه(آلان ) (و هو فيلسوف عقلي) في إدراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ،بالرغم أننا لا نرى إلا ثلاثة أوجه وتسعة أضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوهو اثني عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا إذا أدرنــاالمكعب فسنرى الأوجه والإضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلكفإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن وأحكامه ، ولولا هذاالحكم العقلي لا يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الإحساس .
ويؤكد ( باركلي ) ، أن الأكمه ( الأعمى)إذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الأشياء لاصقة بعينيه ويخطئ فيتقدير المسافات والأبعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافاتوالأبعاد . وبعد عشرين (20) سنة أكدت أعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك .
وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلةاللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الأشياءالبعيدة ، لأنه يخطئ – أيضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه .
أما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجةالإحساس إلا بعدين من الأبعاد هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ،ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا وهو العمق إدراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسيبل حكم عقلي.
و ما يثبت أن الإحساس منفصل عن الإدراك حسب الفلاسفة الحسيين أن من فقد حاسة فقد معرفة فالأعمى بالولادة عاجز عن تصور الألوان و الأصم بالولادة عاجز عن تصور الأصوات حيث يقوا أرسطو: « الإحساس ليس معرفة لكن من فقد حاسة فقد معرفة ». إضافة الى أن الطفل لا يتعرف على العالم الخارجي الحسي الا بعد أن نقدمه له على شكل أشياء حسية كالأشكال الهندسية فهو يبدأ بتحصيلها شيئا فشيئا بواسطة خبراته الحسية بمعنى أن اتصاله بالعالم الخارجي يكون بالإحساس فقط ؛ حيث يقول جون لوك: « لو سألت الانسان متى بدا يعرف لأجابك متى بدأ يحس » كما يؤكد دافيد هيوم أن أفكارنا عن العالم الخارجي ما هي سوى نسخة من انطباعاتنا الحسية حيث يقول: « إن علمنا بأنفسنا و عقولنا يصلنا عن طريق الحواس و ما العقل الا مجرد اثر من آثار العادة ».
النقد:صحيح أن للعقل أهمية كبيرة في تحصيل المعرفة و الاتصال بالعالم الخارجي المحيط بنا لكن لا يمكن الاعتماد على العقل وحده لأنه قد يخطئ في أحكامه بسبب التأثر بالميول و الرغبات و العواطف كما أنه لا يبدع المعرفة من العدم بل يستمدها من الواقع الحسي بواسطة الحواسكما لا يمكن الاعتماد على الحواس وحدها حسب زعم الحسيين لأنها كثيرا ما تخدعنا و تعطينا معارف ناقصة و كاذبة فنحن نرى القمر بحجم القطعة النقدية في حين أنه ضخم جدا و نرى العصا المستقيمة المغموسة في الماء منكسرة لكنها في الحقيقة غير ذلك من هنا تبرز صعوبة التفرقة بين الإحساس و الإدراكبشكل مطلق حيث قال التهانوي : " الإحساس قسم من الإدراك " وقال الجرجاني : " الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس " .

عرض نقيض الأطروحة:في المقابل يرى أنصار علم النفس الحديث أنه يستحيل الفصل بين الإحساس و الإدراك في التعرف على العالم المحيط بنا و أشهر هؤلاء أنصار مدرسة الجشطالت من بينهم الألمانيان كوفكا و كوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن إدراك الأشياء عمليةموضوعية وليس وليد أحكام عقلية تصدرها الذات ، كما انه ليس مجوعة من الإحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون الأولوية للعوامل الموضوعيةفي الإدراك ولا فرق عندهم بين الإحساس والإدراك .
الحجج و البراهين: و ما ثبت استحالة الفصل بين هاتين الوظيفتين ان التعرف على الأشياء الخارجية عند الجميع يمر بثلاث مراحل عقلية : ادراك إجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وإدراك تركيبي حيث يتم تجميع الأجزاء في وحدة منتظمة .
وفي هذه العملية ،ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فإذا شاهدنا مثلا الأمطار تسقط، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات الجزئية للقطرات الصغيرة التي تتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة الكلية هي التي تفرض نفسها علينا .
كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على أرضية، فالنجوم مثلا تدرك على أرضية هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بأنه أكثر بروزا ويجذب إليه الانتباه ، أما الأرضية فهي اقل ظهورا منه ، وأحياناتتساوى قوة الشكل مع قوة الأرضية دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بين الصورتين .
ثم إن الإدراك تتحكم فيه جملة من العوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات بها ، حيث أننا ندرك الموضوعات المتشابهة في اللون أو الشكل أو الحجم ، لأنها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك مجموعة من الجنود أو رجال الشرطة لتشابه الـزي ، أكثر من مجموعة من الرجال في السوق أو الملعب .
وأيضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المنقارية في الزمانوالمكان أكثر من الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الىتجمع بأذهاننا ، فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وإدراك درس ما إذا كانت عناصرهمتقاربة في الزمان ، ويحدث العكس إذا ما تباعدت .
و أخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندركالموضوعات الناقصة كاملة مع أنها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلقدائرة ، وندرك الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم أنهما ناقصان . ويتساوى في ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسهاعلى الذات المٌدرِكة.
النقد: صحيح أن مدرسة الجشطالت حاولت تجاوز التطرف الذي وقع فيه العقليون و الحسيون بالتركيز على الوظيفتين معا ( الإحساس و الإدراك) لكنها وقعت في نفس الخطأ وهو التطرف فقد مالت الجشطالت نحو العوامل الموضوعية الخارجية و أهملت فعالية العقل فقد جعلوا الشخص المدرك أشبه بآلة التصوير أو مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعاتهي التي تفرض نفسها عليه سواء أراد ذلك أو لم يرد ، مما يجعل منه في النهايةمجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل إذ لا قيمة لموضوع منظم بدون ذات تهتم به و منتبهة له
التركيب: ان عمليتي الإحساس و الإدراك في حقيقة الأمر وجهان مختلفان لعملية نفسية واحدة لذلك لا يجب الفصل بينهما مثلما فعل العقليون و الحسيون و لا تغليب عامل على الاخر على الأخر مثلما فعل الجشطالت أي أنه لا غنى للمعرفة و الاتصال بالعالم الخارجي عن العقل و الحواس معا . الرأي الشخصي: مساهمة مني في حل المشكلة أقول ان الفصل بين الإحساس و الإدراك غير ممكن من الناحية الواقعية لان المعرفة تبدأ من التجربة الحسية المتمثلة فيما تنقله لنا الحواس من انطباعات لكن هذه المعرفة لا يكون لها معنى الا إذا تدخل العقل و رتبها و نظمها و حللها من خلال وظيفة الإدراك حيث يقوا كانط: « الانطباعات الحسية بدون مفاهيم عقلية عمياء و المفاهيم العقلية بدون انطباعات حسية جوفاء »

حل المشكلة: نستنتج في الأخير أن محاولة الفصل بين الإحساس و الإدراك عملية لا جدوى منها من الناحية الواقعية لأنهما متكاملان كما لا يجب تغليب عامل على الاخر لان هذا الفصل أو التغليب ناتج فقط عن التفسيرات المذهبية فالإدراك يتولد من وجود ذات تدرك( العقل) و موضوع يدرك ( الأشياء الحسية) حيث يقول الفيلسوف الفرنسي توماس ريد Thomas Reid

(1769-1710): " الإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه "

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

  مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة مقالات فلسفية المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لا...