السبت، 13 يونيو 2015

إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة



 نص المقال : يقول فرويد : (( إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة ، ولنا أدلة كثيرة  
على وجود اللاشعور ))  ماذا يترتب عن عدم التسليم بهذه الفرضية ؟
 الطريقة : جدلية
مقدمة : إن الفكرة الكلاسيكية التي كانت شائعة إلى العصور الحديثة حول النشاط النفسي أن كل ما لا نشعر به فهو ليس من أنفسنا ولا من ذاتنا ، وأن ما هو نفسي يرادف ما هو شعوري ، وليس هناك حياة نفسية أخرى خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية ، ولكن الدراسات المتأخرة تكشف أن اللاشعور هو أساس الجهاز النفسي والمحيط الواسع  الذي يحتل الشعور جزءا محدودا من سطحه  وأن الشعور والنشاط السيكولوجي ليسا مترادفين ، وأن كل ما هو شعوري فهو نشاط نفسي حتما  ولكن العكس ليس صحيحا فليس كل نشاط نفسي شعوريا بالضرورة . والإشكال المطروح : هل يمكن حصر النشاط النفسي في الحياة النفسية فقط ؟ وهل فرضية اللاشعور فرضية مشروعة ؟

التحليل :
الموقف الأول : يرى هذا الموقف أن الحياة النفسية مساوية للحياة الشعورية ، فكل نشاط نفسي هو بالضرورة نشاط شعوري . فابن سينا قد بين أن الإنسان السوي إذا ما تأمل في نفسه يشعر أن ما تتضمنه من أحوال في الحاضر هو امتداد للأحوال التي كان عليها في الماضي وسيظل يشعر بتلك الأحوال طيلة حياته ، لأن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا . كما أن الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت قد أكد على هذا الموقف حين انطلق من مسلمة أولوية الفكر على الوجود ، وبين أن النفس البشرية لا تنقطع عن التفكير إلا إذا انعدم وجودها ، وفقدان الشعور بها دليل قاطع على زوالها ، كما ذهب الطبيب العقلي النمساوي ستيكال (stekel) إلى أن الأشياء المكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميل إلى تجاهلها خشية تطلعه على الحقيقة في مظهرها الأصلي وقد قال : (( لا أومن باللاشعور ، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى ، ولكنني بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة إنما هي تحت شعورية ( تحجز الشعور) وأن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة )) ، كما يرفض الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر أيضا فكرة اللاشعور ويرى أن السلوك الإنساني يجري دائما في مجال اللاشعور .
  النقد :  إن إنكار اللاشعور وعدم التسليم به يبقى جزءا من سلوك الإنسان غامضا ومجهول الأسباب ، لكن هذا الغموض يزول حين نفرض له سببا لا شعوريا حيث أثبتت التجارب فعاليته في السلوك ، وبالتالي فمعطيات علم النفس الحديث قد بينت أن الحياة النفسية ليست مطابقة دائما للحياة الشعورية ، بل هي أوسع من ذلك ، وقد برهن علماء النفس على أن ما هو نفسي قد يكون مطابقا لما هو شعوري في بعض الأحيان لكن قد يتطابق مع أمر آخر غير شعوري .
الموقف الثاني : يرى هذا الموقف أن الحياة النفسية أوسع من الحياة الشعورية ، وكل نشاط نفسي ليس بالضرورة نشاطا شعوريا ، بل الشعور لا يشكل إلا جزءا ضيقا ومساحة صغيرة من الحياة النفسية التي يتحكم فيها اللاشعور ، والمقصود باللاشعور جملة الدوافع والرغبات المكبوتة التي تؤثر على سلوك الإنسان وتفكيره دون أن يكون شاعرا بها وبكيفية تأثيرها ، وهي تسعى دوما إلى الإشباع مما يجعلها تمارس ضغطا مستمرا على الإنسان إلى حد أنه لا يمكن تفسير سلوكه إلا على ضوء معطيات اللاشعور . ويعتبر الفيلسوف ليبنتز من الفلاسفة الأوائل الذين أشاروا إلى وجود فكرة اللاشعور حيث أكد أن هناك دلالات كثيرة تثبت أن لدينا في كل لحظة عددا لا حصر له من الإدراكات تفلت من قبضة تأملنا وأن نفوسنا تنطوي على تغيرات لا ندركها إلا بصورة مبهمة وهذ ا يعني أن في نفوسنا أفكار تخفى على الشعور . لكن مع ظهور الدراسات التجريبية في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر هو الذي أدى إلى اكتشاف اللاشعور وإثبات وجوده ، وهذا على يد أطباء أمثال بروير و شاركو و برنهايم وخاصة الطبيب والمحلل النفساني سيغموند فرويد ، فالكثير من مظاهر السلوك كالأحلام ، هفوات اللسان ، أخطاء الإدراك ، النسيان لا يمكن تفسيرها إلا بافتراض اللاشعور . كما أن معالجة مرض الهستيريا قد أدى بأطباء الأعصاب وفي مقدمتهم شاركو على أن أعراض هذا المرض ليس لها سبب عضوي ، إذ أن المريض بهذه الأعراض لا يعاني من الجانب الجسماني وبما أن السبب ليس في الجسم إذن فهو في النفس ولو كان شعوريا لما حدث المرض  فالجانب الشعوري يمكن الإفصاح عنه والتعبير عنه ولكن المرض حدث فالسبب لا شعوري. وقد وضع فرويد طريقة التحليل النفسي وكشف من خلالها العلاقة بين المكبوتات النفسية وظهور الأعراض واختفائها وهذا ما بين له أن اللاشعور ليس غريبا عن مجال الحياة النفسية بل منبثق عنها فهو مصدر أزمتها ومرضها النفسي وبالتالي فهو فرضية مشروعة ولازمة لتفسير مظاهر سلوكية عجز الشعور عن تفسيرها والكشف عن أسبابها .
النقد : حقا لقد تمكن فرويد من أن يكشف عن جوانب خفية من الحياة النفسية ، وبين الدور الذي يمكن أن يلعبه اللاشعور بالنسبة لنشاط الإنسان ، لكن فرضية اللاشعور لا ترتقي إلى مستوى الفرضية العلمية لأنه لا يمكن التحقق من صحتها دائما ، خاصة وأن تجارب فرويد اقتصرت على المرضى ولم تمتد إلى الأسوياء .
التركيب : إن للحياة النفسية جانبان متكاملان الشعور واللاشعور ، فالكثير من مظاهر الحياة النفسية لا يمكن تفسيرها بالاعتماد على الشعور وحده لكون فرضية اللاشعور سلطت الضوء على حالات نفسية كثيرة لم تكن مفهومة ، إذن فاللاشعور بالنسبة للعلاج النفسي يعد مفتاحا يشعر أصحابه أنه لا يمكنهم الاستغناء عنه ، ولكنه من الخطأ أن نجعل منه مفتاحا عموميا ( passe partout ) نفتح به جميع الأبواب بحيث نفسر كل سلوك إنساني على ضوء معطيات التحليل النفسي ، وبناء على هذا تكون الحياة النفسية مبنية على أساس التكامل بين الشعور واللاشعور .
الخاتمة : إن اللاشعور لا يمكن إنكاره في سلوك الإنسان لكن المغالاة  في تقديره وتأثير المكبوتات على تفكير الإنسان وتصرفاته أمر لا مبرر له ، فهذا الرأي يهدم الأخلاق من أساسها مادام يجعل الإنسان ضحية لغرائزه وعبدا لميوله وأهوائه .        



هناك تعليقان (2):

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

  مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة مقالات فلسفية المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لا...