الأحد، 14 يونيو 2015

أيهما أصلح للتسيير الاقتصادي الحرية أو التوجيه ؟

  نص السؤال : أيهما أصلح للتسيير الاقتصادي الحرية أو التوجيه ؟

طرح المشكلة :  مما لاشك فيه إن العمل ظاهرة اجتماعية , وان كل مجتمع يحتوي عل ظواهر اقتصادية ,ولقد بنيت  هذه الظواهر في العصر الحديث على مبادئ فكرية معينة . تجسدت من خلال النظام الاقتصادي الر أسمالي  , والنظام الاقتصادي الاشتراكي .
 ولقد اختلف المفكرون نتيجة تطبيق النظامين الر أسمالي و الاشتراكي وما لزم عنهما من نتائج و إلى تيارين متعارضين , يؤيد كل واحد منهما نظاما بعينه .  والإشكال المطروح هو : إذا كانت الحرية هي مبدأ  النظام الاقتصادي الر أسمالي , وكان النظام الاقتصادي الاشتراكي يسير وفق تدخل الدولة , فأيهما أصلح  للتسيير الاقتصادي الحرية أو التوجيه ؟
محاولة حل المشكلة  :
عرض منطق الأطروحة  : الموقف القائل أن الحرية هي الأصلح للاقتصاد :   تبنى هذا الطرح زعماء الفكر الرأسمالي  ...و يعتبر الاقتصاد الحر امتداد للنظام الإقطاعي السائد في القرون الوسطى ، لكن بظهور الثورة الصناعية وخاصة في أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر  ، تبلورت أفكار نظرية نظرت لهذا النظام . ويعد الفيلسوف الاقتصادي آدم سميث من أوائل دعاة هذا النظام معللا المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، معتقدا في المقابل أن الاقتصاد الحر هو النظام الوحيد القادر على تحقيق التطور و الرقي للمجتمعات .وذلك بالنظر إلى الأسباب التالية:
الملكية الفردية لوسائل الإنتاج: بوصفها أساس العمل ، وهي حق طبيعي ومشروع ، وعليه ينبغي أن تكون حرة ومطلقة ، حيث يمتلك الفرد ما يشاء و بالطرق التي يشاء عملا بشعار " آدم سميث " ( دعه يعمل دعه يمر) .
المنافسة الحرة  : إن حرية التملك من شأنها أن تخلق منافسة اقتصادية في المجتمع ، إذ تنشط الأفراد وتدفعهم إلى التسابق  نحو التفوق في العمل و الإنتاج و بالتالي إلى الإبداع و بالتالي تكون حرية التنافس عامل أساسي في تنشيط السوق , الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاج , وظهور رؤوس الأموال الضخمة التي يتطلب توظيفها الاستثمار المتزايد وهذا من شأنه أن يوسّع من دائرة الإنتاج , ويفتح مناصب عمل جديدة  تمتص البطالة وتخلص الدولة من عبئ ومشقة ضمان العمل للمواطن , فيصير الاقتصاد في خدمة الشعب .
 كما يفتح الاستثمار باب المنافسة بين المنتجين , وهذا ما يلزم عنه تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات دون الحاجة إلى الاستيراد . وهذا يؤدي إلى أن يستفيد المستهلك من تنوع المنتج , وجودته , إذ بإمكانه شراء البضاعة التي يرغب فيها والتي تناسب مع مستوى دخله .
قانون العرض و الطلب : إن الحياة الاقتصادية تسير حسب نظام طبيعي يتجاوز إرادة الإنسان ، أي تتحكم فيها قوانين ثابتة مماثلة للقوانين التي تتحكم في الحياة الطبيعية ، ومن هذه القوانين قانون العرض و الطلب و هو ينظم الاقتصاد في مجال الأسعار و الأجور طبقا لعلاقة طبيعية واضحة بين العرض و الطلب . فالأسعار تكون منخفضة إذا زاد العرض ، وترتفع إذا قل العرض و كذلك الأجور طبقا للعلاقة بين اليد العاملة المؤهلة و مناصب العمل  .
مناقشة : لا أحد ينكر الإيجابيات التي حققها تطبيق هذا النظام ومنها تحقيق الاكتفاء الذاتي ، وتوفير الإنتاج كما و كيفا ، الازدهار و التقدم غير أن تطبيق مبدأ الحرية الفردية قد انعكس سلبا على المجتمع الأوربي في القرن 18 م إذ أفرز نظاما اجتماعيا طبقيا قوامه الظلم و الاستغلال كما أن مبدأ المنافسة الحرة أدى إلى تبديد القوى الإنتاجية و إفلاس المتنافسين ( المضاربين ) ناهيك عن تراكم الإنتاج وتضخمه وما يصاحبه من بطالة و أزمات اقتصادية ( أزمة 1929  ) . واعتماد الحرية الاقتصادية لا يعني سوى ممارسة الاستغلال على أتم صوره و في أوسع نطاق له ، فتضيع كرامة الإنسان التي لا تعود إلا بعودة تدخل الدولة في تسيير الشؤون الاقتصادية ، و هذا ما نجد له سندا نظريا في النوع الثاني من الأنظمة  الاقتصادية ( الاشتراكية )  .
عرض نقيض الأطروحة : الموقف   القائل أن التوجيه  هو  الأصلح للاقتصاد : ظهر النظام الاقتصادي الاشتراكي كرد فعل على طغيان النظام الرأسمالي و ما صاحبه من ظلم و استغلال ، و يعد  كارل ماركس "أبرز من نظروا لما  أسماه بالاشتراكية الواقعية أو الاشتراكية العلمية التي لم ينادي بها  ماركس كنظام موازي للرأسمالية بل كنقيض لها ، فهي نظام  يجب أن يقوم على أنقاض الرأسمالية .حيث زعم في كتابه ( رأسمال ) أن الرأسمالية نظام قائم على التناقض الذي سيكون سببا في زوالها   ( الرأسمالية تحمل بذور فنائها كما تحمل السحب المطر ) و يكمن التناقض في طبيعة العلاقة بين العمال و المالكين ، وهي علاقة قوامها الاستلاب  ومن نتائجها ما اصطلح عليه " ماركس" فائض القيمة  الذي سيكون من العوامل الحاسمة في نقل الاقتصاد من النظام الرأسمالي إلى الاشتراكي ويتم ذلك بـ :  الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج : إيمانا بأن الناس سواء بسواء فلا بد أن يكون أن يكون المال ووسائل الإنتاج .. قدرا مشتركا بينهم ، تسهر الدولة  على حمايتها مؤقتا إلى أن يصل المجتمع إلى المرحلة الشيوعية ، حيث لا أحد يملك ولا أحد يحكم ، لذا تصبح الملكية مشاعة .                                                          
تتولى الدولة تسير وتوجيه الاقتصاد أي : تتحكم كليا في إدارته داخليا وخارجيا  وذلك من خلال اعتمادها سياسة التوازن الجهوري عبر أقاليم البلاد من اجل التوزيع المتوازن للمشاريع المختلفة بغية توفير مناصب العمل "القضاء على البطالة . كما تراعى الدولة في توجهها الاقتصادي عدم الإضرار بالإنتاج المحلى فتشرف الدولة بأجهزتها المتخصصة على استيراد المنتجات المكملة فقط وهذا ما يضمن التطور الاقتصادي . كما تدعم الدولة حاجيات  المجتمع الأساسية من السلع .و اعتماد الدولة أسلوب مجانية الخدمات الحيوية في المجتمع مثل التعليم و الصحة ... وهذا ما يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية –تحمي الدولة بواسطة تحديدها نوع المنتج وسعره  وكذا أجهزة الرقابة التابعة لها القدرة الشرائية للمواطن فتتحقق العدالة فت الاستهلاك ويغلب على المجتمع النمطية الموحدة في أسلوب الحياة بدل التفاوت الاجتماعي
- التخطيط المركزي : وهو أسلوب في التنظيم يقوم على استخدام المواد على أفضل وجه ممكن و الهدف منه إيجاد تناسب بين الإنتاج و الاستهلاك حتى لا يبقى الفائض الذي من شأنه أن يؤدي إلى أمراض الرأسمالية . وعلى المستوى الخارجي تتولى الدولة تخطيط علاقاتها الاقتصادية مستقلا وسيدا بعيدا عن ضغط الملاك من الداخل لعدم وجودهم . و حسب كارل ماركس  إرساء الاقتصاد على هذه المبادئ من شأنه إزالة التفاوت و الطبقية بين الأفراد فتسود العدالة الاجتماعية ويتحقق الازدهار الاقتصادي لأفراد الطبقة العاملة .
 مناقشة : إن النظام الاقتصادي الاشتراكي ساعد على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و ساعد أيضا على توفير الحاجيات الأساسية لأفراد المجتمع .
لكن مبدأ الحرية الجماعية انعكس سلبا على المبادرة الفردية في مختلف الميادين خاصة وأن الجزاء في الفعل بقدر الحاجة لا بقدر الجهد . وفي هذا معارضة للفطرة الإنسانية (حب التملك) من جهة و نفي للفوارق الفردية من جهة أخرى ، وللعدل كقيمة أخلاقية . كما أن تطبيق هذا النظام أدى إلى تفشي كثير من الأمراض الاجتماعية كالرشوة و البيروقراطية و التواكل ... و الطبقية فيه أسوأ من نظيرتها ووقوعه في أزمات كثيرة أدت إلى الإطاحة به .
التركيب : مما سبق عرضة يمكن القول أن لا الحرية المطلة التي أقام الرأسماليون عليها الاقتصاد ولا التوجيه المطلق الذي نادى به الاشتراكيون ن هما الأنسب والأصلح للنظام الاقتصادي بل يجب إقامة الاقتصاد على المبدأين معا . وهذا مانجده له سندا في الممارسة الاقتصادية في الإسلام إذ اقر الإسلام مبدأ الحرية الفردية ولكنها مقيدة بحدود الشريعة الإسلامية وأهمها الكسب المشروع ...
  ولتحقيق العدالة الاجتماعية وهي غاية النظام الاشتراكي فرض الإسلام الزكاة وهي ركن من أركان الدين ... ولضمان جودة المنتج ربط الإيمان بإتقان العمل وهذا ما يظهر في الهدي النبوي : " من عمل عملا فليتقنه " . والى جانب الحرية المحدودة والمسئولة اقر الإسلام تدخل الدولة في تسيير الشؤون الاقتصادية على غرار شؤون البلاد الأخرى , لكن هذا التدخل محدود ومضبوط( إقرار بيت مال المسلمين ) .
من هذا العرض الموجز تتبين الأساس الأخلاقي للممارسة الاقتصادية في الإسلام وهي أسس لم تراع في النظريتين السابقتين ولذلك بدا جليا تطرفهما الواضح في مقابل وسطية الحل الإسلامي  وتكامله ( فهو وسط من وسط وخيار من خيار ) .

حل المشكلة : نستنتج من خلال ماسبق : إن مبدأ الحرية وحده وان كان ضروريا فهو غير كاف ولا الأصلح في مطلق الأحوال . ان التوجيه إن الأصلح والأنسب للممارسة الاقتصادية هو اعتمادها المبدأين معا أي الحرية والتوجيه النسبيين  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

  مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة مقالات فلسفية المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لا...