ن إلى أي مدى يمكن تحقيق الموضوعية في التاريخ ؟ص
المقال :
الطريقة
: جدلية
المقدمة
:
التاريخ يعتبر من العلوم الإنسانية
التي تدرس الإنسان من حيث له ماض يستفيد منه
،
وهو يعرف بأنه علم يدرس الماضي الإنساني ، وأثر هذا
الماضي على الإنسان ، وموضوعه الحادثة
التاريخية وإذا كانت الحادثة التاريخية حادثة إنسانية وقعت في
الماضي ، فهل يمكن دراستها دراسة علمية موضوعية ؟ وبصيغة
أخرى : هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر التاريخية ؟
التحليل
:
الموقف الأول
: يرى المعارضون لعلمية
التاريخ ، أن التاريخ ليس علما ولا يمكن له أن يكون علما
ودليلهم في ذلك أن الدراسة العلمية تقوم على مبدأ الحتمية الذي
يعني ثبات الشروط والأسباب ،
في حين أن الشروط والأسباب عند الإنسان ليست ثابتة فما كان بالأمس سببا لم يعد
اليوم كذلك ، كما أن الدراسة العلمية تقوم على الموضوعية في حين أن
الحوادث التاريخية ذاتية ، فالمؤرخ
يعيش التاريخ ولا يمكن له أن يقف موقف الحياد من حوادث تعتبر جزء منه ،
بالإضافة إلى مشكلة التجريب ، حيث أن
الظواهر التاريخية ظواهر ماضية لا يمكن
إعادتها أو عزلها ، وبالتالي يستحيل
التجريب عليها وباستحالة التجريب تنعدم القوانين وينعدم التنبؤ الذي يبقى السمة
الجوهرية للعلم .
نقد : إن المعارضين لعلمية التاريخ ،
يبالغون كثيرا في تصور الفرق بينه وبين علوم الطبيعة
، والواقع أن هناك فرق وهو فرق يعود في الأساس إلى طبيعة الظاهرة ، والاختلاف في
الموضوع يستلزم الاختلاف في المنهج ، ومنه فالتاريخ علم له منهجه الخاص الذي ينسجم
وخصوصية الحادثة التاريخية .
الموقف الثاني :
يرى المؤيدون لعلمية التاريخ ، أن دراسة الحادثة التاريخية وتفسيرها تفسيرا علميا،
أمر ممكن تحقيقه في ظل تطور العلوم وتنوع المناهج ودليلهم في ذلك أن المؤرخ باحث
قبل كل شيء وصفة الباحث تجعله يتسلح بالحذر والوعي ويتحقق من كل شيء واقفا منه
موقف الحياد وعلى هذا فقد حاول بعض المفكرين تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة
التاريخية، وأهم الخطوات التي يتبعها المؤرخ في كتابة التاريخ هو تعيين الحادثة
المراد دراستها ثم جمع المصادر المتعلقة بالحادثة في تلك الفترة زمانيا ومكانيا ، والمصادر بدورها
على نوعين مصادر إرادية ومصادر غير إرادية ثم مرحلة التحليل التاريخي ويقصد بها
النقد الخارجي والباطني للوثائق ثم المرحلة النهائية وهي مرحلة التركيب التاريخي .
نقد : لكن مطالبة
المؤرخ بالتزام الحياد ، كمن يطالبه بالتخلي عن جزء منه وهذا مستحيل فكيف نطالبه
بالتنكر لدينه أو وطنه أو ثقافته وهذا ما جعل الدراسات التاريخية تسيطر عليها
الذاتية .
التركيب : إن الموضوعية
في التاريخ صعبة لكنها ليست مستحيلة فالصعوبات التي تواجه المؤرخين لم تمنع البعض
منهم من استخدام المناهج العلمية بنجاح واستعانوا بنتائج العلوم الأخرى كعلم الاجتماع
والأنثروبولوجيا من تحقيق العلمية في التاريخ وبالتالي استطاعوا أن يكونوا
موضوعيين إلى حد ما صحيح أن المؤرخ لا يستطيع أن يكون موضوعيا وحياديا مثلما هو
الحال في العلوم الطبيعية لأن الظاهرة تتعلق بالباحث بطريقة أو بأخرى ، لكن مع ذلك
يمكن له أن يتقيد بشروط الروح العلمية من حرية في البحث والتجرد من الأهواء والعواطف
وحب للحقيقة ومحاسبة للنفس وشك وروح نقد وفحص وشجاعة .
الخاتمة : في الأخير يمكن
أن نقول أن الموضوعية في التاريخ يمكن تحقيقها ولكنها تبقى موضوعية نسبية لا ترقي
إلى درجة اليقين كما هو موجد في علوم الطبيعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق