نص السؤال : هل وجود
الدولة ضروري ؟
طرح المشكلة : يحتل مفهوم الدولة الصدارة في الصراعات السياسية , وكذلك في الفكر الفلسفي
, نظرا لما لها من أهمية كبرى في تحديد مصير الشعوب . إن التفكير حول هذه الظاهرة شكلّ المحور
الرئيسي في الفلسفة السياسية منذ التجمعات الإنسانية الأولى ...وصولا إلى الدولة الحديثة .ولعل أهم
المواضيع التي تناولها المفكرون والفلاسفة بالبحث والتفسير , نشأة الدولة وطبيعتها
وجوبها أو عدم وجوبها ... فتعددت النظريات في الإجابة عن هذه التساؤلات وصلت حد
التباين وخاصة ما يتعلق بضرورة وجود الدولة .
وهو ما يحيلنا إلى طرح الإشكال التالي :هل نخشى وجود الدولة ، أو نخشى عدم
وجودها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة: إن وجود الدولة ضروري:ذهب
أنصار هذا الطرح إلى اعتبار أن الدولة أداة لتجسيد وتطوير حريات الأفراد , وغايتها
سعادة الإنسان . فذهب روزنتال إلى
أن لفظ الدولة عند الإغريق يعني الوحدة السياسية الصغيرة التي يمكن للإنسان أن
يبلغ فيها حريته وسعادته , وهي محاولة لتطبيق دولة الكسموس ( مدينة الآلهة )
في أرض الواقع لتجسيد قيّم العدل والخير .و في الفكر الإسلامي ذهب أبو حامد الغزالي في كتابه ( الاقتصاد
في الاعتقاد ) إن حياة الإنسان لا تنتظم إلا بسلطان تقدم له الرعية الولاء
والطاعة ولذلك يعتبر السلطان برأيه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لا ن حالة
المجتمع أثناء موت السلطان حالة خطيرة تكون مصحوبة بوقوع الفتن ...حيث قال :
" إن الأمن على الأنفس وعلى الأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع ".ونفس الفكرة أكدها الفيلسوف و عالم
الاجتماع ابن خلدون حيث قال : " وإذا اجتمعوا ...ومد كل واحد منهم
يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه , لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان
...فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة ...واستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزغ بعضهم
عن بعض ، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع ، وهو الحاكم عليهم , وهو بمقتض الطبيعة
البشرية الملك القاهر المتحكم " .
وأكد الباروخ بندكتو سبينوزا : " إن غاية الدولة القصوى
ليست السيطرة . فلم توجد الدولة لتحكم الإنسان بخوف ولا تجعله ملكا لإنسان بل إنما
وجدت لتحرر الفرد من الخوف حتى يعيش- قدر ما يستطيع دون ضرر ـ حقه الطبيعي في الوجود والفعل " . وقد
ألح روسو على حقوق الأفراد الطبيعية في المساواة والحرية فالدولة عنده وليدة قرار
سياسي ( تعاقد اجتماعي ) وليست متعالية على الإفراد ولا يمكن أن تتعارض مصلحتها
ومصالحهم ولا تسلبهم حرياتهم .ورأى هيجل في كتابه مبادئ فلسفة الحق :
" إن الدولة الحقيقية , هي التي تصل فيها الحرية إلى أعلى مراتبها ... إن
الدولة هي ما هو عقلاني " .
مناقشة :إن التاريخ والواقع لا يؤكد أن الدولة كانت في خدمة مصالح المحكومين بل
بالعكس فقد كانت مستبدة بالحكم ، مصادرة بذلك كل حقوق الشعب وحرياته الأساسية ، بل
حتى حقه في الوجود إن هو عارضها وهذا ما جسدته فعلا الأنظمة الديكتاتورية حتى أصبح يخشى من وجود الدولة بوصفها آداه قمع .
عرض نقيض الأطروحة: أن وجدود الدولة ليس ضروريا: يعتقد كل من ماركس و انجلز أن
الدولة لم توجد منذ الأزل بل هي مؤسسة
قمعية أوجدتها الطبقة المالكة من اجل حماية مصالحها , فالقانون وجد لخدمة مصالح
الطبقة البرجوازية , فما جهاز الأمن والجيش إلا لخدمة مصالح الأقوياء وحماية
ممتلكاتهم من الثورات التي يمكن أن يقوم بها الضعفاء وفي هذا قال انجلز :
" وبما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تعارض الطبقات ، وبما أنها
نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات بين عدة طبقات ، فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة
السائدة سياسيا . وتكتسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة "
.
وينطلق باكو نين الروسي من
مفهوم أساسي هو أن الدولة هي القاهر الأساسي للإنسان إنها على حد تعبيره :" الدولة مقبرة
كبيرة تدفن فيها مختلف مظاهر الحياة الفردية " . ومن الضروري لقيادة
الجنس البشري إلى مملكة الحرية أن تنسف
الدولة وان يستبعد مبدأ السلطة من حياة الناس . وجاء موقفه على هذا النحو لان ما
ميز المجتمعات خلال القرن التاسع عشر , وخاصة روسيا القيصرية ... حيث استخدم وقتئذ
نظام الحكم كل وسائل القمع والقهر لبسط هيمنته ولذلك دفنت كل المبادرات الفردية
وخاصة الحريات ...وهذا آمن باكو نين بالثورة والتمرد كحل وحيد للقضاء على الدولة .
مناقشة :إن هذا القول لا يصدق إلا على القوانين الاستبدادية التي عرفتها البشرية
والتي تمثل انحرافا ي استخدام سلطة الدولة من الحكام المتسلطين ولا يتعلق بالدولة
في حد ذاتها كمؤسسة اجتماعية .
كمان الإطاحة بالدولة لا يحل مشاكل
الضعفاء ولا يخلصهم من البؤس والحرمان وإنما قد
تؤدي بالإنسان إلى الحياة الحرب وقانون الغاب
التركيب:إن تقدم الوعي السياسي أدى إلى ظهور السلطة القائمة على القانون لا على
الإرادة الفردية
إن وجود الدولة ضروري لكن السؤال
الذي يطرح : كيف نجعلها معبرة عن إرادة الشعب ؟ وماهي آلاليات التي تقيّد استعمال
السلطة بشكل استبدادي وتحفظ الحريات
الأساسية للمواطن ؟
إن المجتمعات الحديثة وضعت آليات
تقيّد استعمال السلطة و حوّلت علاقة المواطن بالدولة من علاقة رضوخ واستسلام لإرادة
الحكام إلى علاقة امتثال للقانون إلي اشترك المواطنون – بكيفية ما – في وضعه وهكذا
وجد دستور يبين شكل الدولة ونظام الحكم , وينظم السلطات ويحدد العلاقة بين أجهزة
الدولة ويقر الحقوق الأساسية ووسائل
حمايتها .
الفصل بين السلطات , واستقلال
الوظيفة القضائية , ضمان حق الدفاع .
مجلس لمراقبة دستورية التشريعات
والقوانين التنظيمية .
حل المشكلة :ومن خلال ما تقدم يمن أن نستنتج : سلطة الدولة تنفي حرية
الأفراد في النظم الاستبدادية ,أما في الدولة الحديثة حيث تحولت السلطة السياسية
من الإرادة الفردية لا أشخاص الحكام إلى المؤسسات السياسية , وتم الانتقال من
علاقة طاعة الحكام إلى علاقة الامتثال إلى القانون,فهي الإطار الواجب وجوده لتحقيق
الكرامة الإنسانية
وجود سلطة الدولة كتنظيم سياسي
شكّل تحولا جذريا في تاريخ البشرية إذ انتقلت من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع
المدني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق