بطريقة الجدلية
إذا كنت أمام موقفين متعارضين يقول
أولهما (إن الذاكرة حادثة بيولوجية )و يقول ثانيهما (إن الذاكرة حادثة فردية)مع العلم أن
كلاهما صحيح في سياقه و نسقه ويدفعك القرار إلى أن تفصل في الأمر فتضع التفسير
الحقيقي للذاكرة فما عساك أن تفعل؟
مقدمة:
تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة,بل إن الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى بالذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا أنه ماضي, وقد اختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ طبيعة الذكريات هل هي عضوية لهما مكان معين في الدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ وهل يمكن تفسير الذاكرة بالاعتماد على النشاط العصبي ؟ وهل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج الى غير ذالك ؟
عرض الأطروحة الأولى :
يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلايا الدماغ, و يقول عنها ابن سينا (أنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ ) إن ملاحظات "ريبو" على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة ( الفتاة التي أصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف على المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقية تستطيع الإحساس به فتأكد له أن إتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أو كلي للذاكرة و جعلته يستنتج أن الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي. و لقد تأثرت النظرية المادية بالمقولة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمل في ثنايا الجسم و أن الذكريات تترك أثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على أسطوانات التسجيل، و كان المخ وعاء يستقبل و يختزن مختلف الذكريات، و هي تثبيت بطريقة آلية. أي شبيهة بالعبادة و لقد أستطاع "ريبو" أن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات و يعيد 600 مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الإنطباعات التي تاتينا من الخارج مستفيدا مما أثبته بعد تجارب بروكا من أن نزيفاً دمويا في قاعدة التلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة و أن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى اللفظي و غيرها، و يقول ريبو ( إن الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية و ظاهرة بسيكولوجية بالعرض) و من خلال كتابه أمراض الذاكرة رأى ( إن الذاكرة بطبيعتها عمل بيولوجي).
مناقشة :
لو كانت الذكريات مخزونة في خلايا القشرة الدماغية فكيف تفسر زوال جميع الذكريات أحياناً و ضعف التذكر أحياناً أخرى.
عرض الأطروحة الثانية :
يرى "برغسون" أن الذاكرة نوعان- ذاكرة حركية تثمتل في صور عادات آلية مرتبطة بالجسم و هي ليست موجودة فيه ... إنها ديمومة نفسية أي روح و يعرف لالاند الذاكرة بأنها وضيفة نفسية تمثل في بناء حالة شعورية ماضية و يرى "برغسون" بأن عملية التذكر تتحكم فيها مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات و الميول و الدوافع فبمقدرة الشاعر على حفظ الشعر أكبر من قدرة الرياضي. و مقدرة الرياضي في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية أكبر من مقدرة الفيلسوف... و هكذا، و الفرض في حالة القلق والتعب يكون أقل قدرة على الحفظ، و هذا بالإضافة إلى سمات شخصية التي تأثر إيجابا و سلباً على القدرة على التعلم و التذكر كعامل السن و مستوى الذكاء و الخبرات السابقة ... و منه و حسب "برغسون" أن وظيفة الدماغ لا تتجاوز المحافظة على آليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوال نفسية محضة.
مناقشة :
إن "برغسون" لا يقدم لنا أي حل للمشكل عندما أستبدل الآثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور و هو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات إلى سطح اللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية، كما أن الفصل المطلق بين ما هو جسمي و ما هو نفسي أمر غير ممكن واقعياً.
التركيب:
إذا كان "ريبو" أعاد الذاكرة إلى الدماغ، و إذا كان "برغسون" أرجعها إلى النفس فإنها هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها إلى مجتمع يقول ) ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات و أين تحفظ إذ أنني أتذكرها من الخارج ... فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها) و يقول أيضا ( إنني عندما أتذكر فإن الغير هم الذين يدفعونني إلى التذكر و نحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل تجديد لبنائها وفقاًَ لتجربة الجماعة و أعتبر "بيار" جاني ( أن الذاكرة الاجتماعية تتمثل في اللغة و أن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي و لا يوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو و الماضي يعاد بنائه على ضوء المنطق الاجتماعي.
الخاتمة :
و أخيراً نستنتج أن الذاكرة هي وضيفة تكاملية بين الجسم و النفس و المجتمع و يقول "دولاكروا" إن التذكر نشاط يقوم به الفكر و يمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لاهتماماته و أحواله و يبقى كل قول صحيح في سياقه و نسقه.
مقدمة:
تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة,بل إن الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى بالذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا أنه ماضي, وقد اختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ طبيعة الذكريات هل هي عضوية لهما مكان معين في الدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ وهل يمكن تفسير الذاكرة بالاعتماد على النشاط العصبي ؟ وهل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج الى غير ذالك ؟
عرض الأطروحة الأولى :
يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلايا الدماغ, و يقول عنها ابن سينا (أنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ ) إن ملاحظات "ريبو" على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة ( الفتاة التي أصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف على المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقية تستطيع الإحساس به فتأكد له أن إتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أو كلي للذاكرة و جعلته يستنتج أن الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي. و لقد تأثرت النظرية المادية بالمقولة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمل في ثنايا الجسم و أن الذكريات تترك أثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على أسطوانات التسجيل، و كان المخ وعاء يستقبل و يختزن مختلف الذكريات، و هي تثبيت بطريقة آلية. أي شبيهة بالعبادة و لقد أستطاع "ريبو" أن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات و يعيد 600 مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الإنطباعات التي تاتينا من الخارج مستفيدا مما أثبته بعد تجارب بروكا من أن نزيفاً دمويا في قاعدة التلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة و أن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى اللفظي و غيرها، و يقول ريبو ( إن الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية و ظاهرة بسيكولوجية بالعرض) و من خلال كتابه أمراض الذاكرة رأى ( إن الذاكرة بطبيعتها عمل بيولوجي).
مناقشة :
لو كانت الذكريات مخزونة في خلايا القشرة الدماغية فكيف تفسر زوال جميع الذكريات أحياناً و ضعف التذكر أحياناً أخرى.
عرض الأطروحة الثانية :
يرى "برغسون" أن الذاكرة نوعان- ذاكرة حركية تثمتل في صور عادات آلية مرتبطة بالجسم و هي ليست موجودة فيه ... إنها ديمومة نفسية أي روح و يعرف لالاند الذاكرة بأنها وضيفة نفسية تمثل في بناء حالة شعورية ماضية و يرى "برغسون" بأن عملية التذكر تتحكم فيها مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات و الميول و الدوافع فبمقدرة الشاعر على حفظ الشعر أكبر من قدرة الرياضي. و مقدرة الرياضي في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية أكبر من مقدرة الفيلسوف... و هكذا، و الفرض في حالة القلق والتعب يكون أقل قدرة على الحفظ، و هذا بالإضافة إلى سمات شخصية التي تأثر إيجابا و سلباً على القدرة على التعلم و التذكر كعامل السن و مستوى الذكاء و الخبرات السابقة ... و منه و حسب "برغسون" أن وظيفة الدماغ لا تتجاوز المحافظة على آليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوال نفسية محضة.
مناقشة :
إن "برغسون" لا يقدم لنا أي حل للمشكل عندما أستبدل الآثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور و هو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات إلى سطح اللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية، كما أن الفصل المطلق بين ما هو جسمي و ما هو نفسي أمر غير ممكن واقعياً.
التركيب:
إذا كان "ريبو" أعاد الذاكرة إلى الدماغ، و إذا كان "برغسون" أرجعها إلى النفس فإنها هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها إلى مجتمع يقول ) ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات و أين تحفظ إذ أنني أتذكرها من الخارج ... فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها) و يقول أيضا ( إنني عندما أتذكر فإن الغير هم الذين يدفعونني إلى التذكر و نحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل تجديد لبنائها وفقاًَ لتجربة الجماعة و أعتبر "بيار" جاني ( أن الذاكرة الاجتماعية تتمثل في اللغة و أن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي و لا يوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو و الماضي يعاد بنائه على ضوء المنطق الاجتماعي.
الخاتمة :
و أخيراً نستنتج أن الذاكرة هي وضيفة تكاملية بين الجسم و النفس و المجتمع و يقول "دولاكروا" إن التذكر نشاط يقوم به الفكر و يمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لاهتماماته و أحواله و يبقى كل قول صحيح في سياقه و نسقه.
Netency.Blogspot.Com
ردحذف