الأحد، 14 يونيو 2015

الألفاظ قبور المعاني

نص المقال: إذا افترضنا أن الأطروحة القائلة: « الألفاظ قبور المعاني » أطروحة صحيحة، وتقرر لديك إبطالها. فما عساك أن تصنع؟

الطريقة: استقصاء بالرفع
مقدمـة:
        إن علماء النفس يطلقون معنى اللغة على مجموع الإشارات التي يعبر بها عن الفكر، فنحن عندما نتحدث مع الغير فإنه من الواضح أننا ننطق بألفاظ نرتبها حسب المعنى، وعندما نتحدث لأنفسنا لا ننطق بألفاظ ولكننا نرتب المعاني حسب الصورة المنطوقة مما يبدو معه أن كل تفكير يحتاج إلى تعبير وأن كل تعبير يحتاج إلى تفكير، إلا أن مسألة اللغة والفكر ظلت موضع جدال بين الفلاسفة والعلماء، لأن اللغة والفكر مرتبطان أشد الارتباط، وهذا ما ذهب ببعض الفلاسفة إلى التأكيد على عجز اللغة وتقصيرها عن التعبير عن كامل أفكارنا والتساؤل المطروح: هل يمكن اعتبار اللغة عائقا للفكر؟
بعبارة أدق: هل يمكن قيام بدون لغة؟
التحليـل:
عرض منطق الأطروحة:
        يذهب أصحاب الاتجاه الثنائي إلى التمييز بين اللغة والفكر، ويفصلون بينهما فصلا واضحا ويعتبرون أن الفكر سابق عن اللغة وأوسع منها، لأن الإنسان يفكر بعقله أولا ثم يعبر بلسانه ثانيا. لذلك قد تتزاحم الأفكار في ذهن الإنسان ولكنه يعجز عن التعبير عنها، مما يجعل اللغة عائقا للفكر، ولعل هذا ما يدفع بالإنسان إلى الاستعانة بالإشارات لتوضيح أفكاره أو اللجوء إلى وسائل بديلة للتعبير اللغوي كالرسم والموسيقى وغيرهما، وهذا ما أكده الفيلسوف الفرنسي برغسون حين قال: « اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر » بمعنى أن تطور المعاني أسرع من تطور الألفاظ، كما يقول أحد الشعراء الفرنسيين فاليري « أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها» بمعنى أن اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا، فلا يمكنها أن تجسد كل ما يختلج في نفس الإنسان.
نقد أنصار الأطروحة:
        إن هذا الاتجاه قد بالغ في التقليل من شأن اللغة ووصفها بالعجز والجمود، وبالمقابل الرفع من قيمة الفكر وتمجيده، ولكن هل يمكن أن يوجد فكر خالص عارٍ من اللغة؟ ثم كيف تميز بين الأفكار والمعاني إن لم تدرج في قوالب لغوية تعرف بها وترسم حدودها؟ وفوق هذا ألم تكشف الدراسات في علم النفس أن تكوين المعاني لدى الأطفال يتم مع اكتساب وتعلم اللغة؟ فالطفل يتعلم الكلام في الوقت الذي يتعلم فيه التفكير. وهذا ما يدل على أن التفكير ضاج بالكلمات، وأن حضور الفكر يقتضي لزوما حضور اللغة، فالفكر واللغة وجهين لعملة واحدة. كما أن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في آن واحد، والواقع بين أن التفكير لا يتم بدون لغة، فالفكر بدون لغة مجرد شعور.


إبطـال الأطروحـة:           
     إن الإنسان يزداد نشاط فكره بازدياد وتطور وسائل التعبير لديه مما يجعلنا هذا نعتقد أن اللغة يفوق دورها بأن يكون محصورا على التبليغ بل يتعدى الأمر ذلك في كونها وسيلة يزداد الفكر بفضل تطورها إرتقاءا هذا ما جعل الاتجاه الواحدي يرى أن اللغة والفكر متصلان ومترابطان فلا فكر دون لغة، ولا توجد لغة دون فكر، لأن اللغة ليست هي ثوب الفكر ووعاءه الخارجي كما يدعي البعض بل هي جسده وصميم وجوده، فهي التي تبرز الفكر وتخرجه من حيز الكتمان والذاتية إلى حيز التصريح وتضفي عليه الصبغة الاجتماعية حيث يقول هيغل: « الكلمة تعطي الفكر وجوده الأسمى» كما يذهب الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي إلى أن الفكر لا يوجد خارج العلم وبمعزل عن الكلمات حيث يقول:« الفكرة تؤخذ من العبارة والعبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة».

الخاتمة:
في الأخير يمكن أن نؤكد أن اللغة هي تمكن الفرد من التعبير عن أفكاره، وأنها تعد تعد أحسن وعاء لحفظ التراث الإنساني وأنجع أداة لنشره ونقله من جيل إلى آخر، يقول لافيل Lavelle «اللغة ذاكرة الإنسانية، فهي تحتفظ بسائر مكتسباتها وهي أغنى من فكر أي فرد إلى أبعد حد».





هناك 4 تعليقات:

أصل الرياضيات العقل ام التجربة

  مقالة جدلية : أصل الرياضيات العقل ام التجربة مقالات فلسفية المقدمة : إن من طبيعة الإنسان العاقلة انه دائم البحث والتأمل عما يحيط به لا...