ا
نص المقال : قيل
: (( إن الفكرة الصادقة هي التي تؤدي بنا إلى النجاح في الحياة )) حلل وناقش
الطريقة: جدلية
طرح المشكلة : مما لاشك فيه أنه مهما تعددت
الحقيقة في تعريفاتها، وفي مجالاتها، فإنه لا يختلف إثنان في أن الإنسان مفطور
بفضوله على البحث عنها، ومهما اختلفت أصنافها وتنوعت مقاييسها، فإن أقصى ما يبحث
عنه هذا الإنسان هو الحقيقة الأولى كما يسميها الحكماء نظرا إلى اتصافها بالثبات
والمطلقية، ولقد خاض الفلاسفة في مقاييس الحقيقة
وتبقى هذه المقاييس تابعة لطبيعة هاته الحقيقة ومجالاتها وفلسفة أصحابها،
وهذا ما أدى إلى اختلاف الفلاسفة في تصورهم لمعيار الحقيقة، لكن التساؤل المطروح :
هل النفع هو المعيار المناسب لمعرفة الحقيقة؟
محاولة حل
المشكلة :
عرض الموقف الأول: لقد ذهب بعض أقطاب البراغماتية
أمثال تشارلز بيرس ووليام جيمس إلى أن الحكم يكون صادقا متى دلت التجربة على أنه
مفيد نظريا وعمليا، وبذلك تعتبر المنفعة المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام من
باطلها، حيث يقول بيرس : (( إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج، أي أن الفكرة
خطة للعمل أو مشروع له وليس حقيقة في ذاتها )) إذن فالنتائج أو الآثار التي تنتهي
إليها الفكرة هي الدليل على صدقها أو هي مقياس صوابها، وإذا أردنا أن نحصل على
فكرة واضحة لموضوع ما فما علينا إلا أن ننظر إلى الآثار العملية التي نعتقد أنه
قادر على أن يؤدي إليها والنتائج التي ننتظرها منه. وهو يقول وليام جيمس: (( إن كل
ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي، وغن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة وما هو صالح
لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي )). ويقول أيضا: (( الحق ليس
التفكير الملائم لغاية، كما أن الصواب ليس إلا الفعل الملائم في مجال السلوك )).
النقد: إن مقياس النفع وتحقيقه مرتبط بالمستقبل، وهذا ما يجعل الحقيقة احتمالية،
وتخضع في كل أحوالها لتقديرات ذاتية، فما هو نافع لي قد يكون ضار لغيري، وهذا ما
يجعل المنافع مطالب وإشباعات من الصعب الاتفاق حولها، كما أن الخطأ قد تنجم عنه
آثار نافعة غير أننا مع ذلك نعتبر الخطأ خطا رغم نجاحه في المجال العملي.
عرض الموقف
الثاني: لقد رأى بعض
الفلاسفة أمثال ديكارت وسبينوزا أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو
الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء، ويتجلى هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية
واضحة بذاتها كقولك الكل أكبر من الجزء أو أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين
نقطتين، ولقد كانت أول قاعدة في المنهج الذي سطره ديكارت ألا يقبل مطلقا شيئا على
انه حق ما لم يتبين بالبداهة أنه كذلك، وان لا يأخذ من أحكامه إلا ما يتمثله عقله
بوضوح تام وتمييز كامل بحيث لا يعود لديه مجال للشك فيه، وفي هذا المعنى يرى
سبينوزا أنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة، فهل كما يقول يمكن أن يكون
هناك شيء أكثر وضوحا ويقينا من الفكرة الصادقة يصلح أن يكون معيارا للحقيقة؟ فكما أن
النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب.
النقد: إن إرجاع الحقيقة
كلها إلى الوضوح يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي للحقيقة، قد نحس بأننا على صواب في
أحكامنا على أساس البداهة والوضوح، ولكن قد يحدث أن يقف أحدنا بعد ذلك على خطئه،
وقد يحدث لأحدنا أن يرى بديهيا ما يتوافق مع تربيته وميوله واتجاهاته الفكرية،
فالوضوح في هذه الحالة ليس هو محك الصواب، وإنما توافق القضية المطروحة لميول
الفرد وآرائه هو الذي يجعلها صحيحة واضحة.
التجاوز: لا يمكن حصر معيار الحقيقة في
الميدان المحدود الذي يرتضيه أنصار الوضوح والنجاح، بل هناك معيار الوجود لذاته،
فمعيار الوضوح والذي يتبناه المذهب العقلي، يذهب إلى أن الحكم الصادق يحمل في
طياته معيار صدقه وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء، أما معيار النجاح والذي
يتبناه المذهب البراغماتي فيذهب إلى أن النتائج أو الآثار التي تنتهي إليها الفكرة
هي الدليل على صدقها أو هي مقياس صوابها، أما المقياس الوجود لذاته فهو
مقياس تتبناه الفلسفة الوجودية، وهي فلسفة تهتم بالإنسان وترى أن مقياس الحقيقة
وصحة الأحكام وصدق الأفكار مرتبط بالإنسان كمشروع، يتحدد بالاختيار المسؤول
للإنسان بعد أن يوجد، وسعيه لإكمال ماهيته.
حل المشكلة : في الأخير يمكن أن نؤكد انه من الخطأ
قياس الحقيقة بمعيار نسبي أي بمعيار معرض للتغير كالوضوح والنفع ومعيار الوجود
لذاته، فمعيار الحقيقة معيار معيار موضوعي منزه عن كل ما من شأنه أن يحصر الحقيقة
في إطار ذاتي ضيق، إنه في كلمة وجيزة الموضوعية العالمية الثابتة مع العلم بان
الحقيقة أنواع كالحقيقة الرياضية التي يرتد معيارها الموضوعي إلى استنباط الحقائق
الجزئية من المقدمات الأولية، والحقيقة العلمية التي يعود معيارها الموضوعي إلى
التجربة.
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
حذفينقص خطوة من الاخطوات الادلة
ردحذفنتغ
ردحذف