نص المقال : إلى أي مدى تتدخل الأخلاق في بناء الاقتصاد
الإسلامي ؟
المقدمة :
مما
لا شك فيه أن العمل ظاهرة اجتماعية موجهة نحو تحقيق أثر نافع في الحياة . ولن يصل الإنسان
إلى تحقيق هذه الغاية ما لم يستند ما يقوم به إلى مبادئ يستمد منها شرعيته والى أصول
تضبط أموره , وتحدد معالمه الكبرى ولما كان الإنسان كائن أخلاقي كان لزاما أن تكون
الأخلاق هي منبع العمل وغايته . ولا يمكن الحديث عن الأخلاق ودورها في تنظيم وبناء
الحياة الاقتصادية دون الحديث عن الأخلاق التي دعا الإسلام إلى إرساء قواعد العمل
والاقتصاد عليها . ومنه نتساءل : إلى أي حد تساهم الأخلاق في بناء الاقتصاد الإسلامي
؟
التحليل :
قبل
بيان دور الأخلاق في بناء الحياة الاقتصادية في الإسلام لابد من الوقوف عند نظرة الإسلام
للعمل .
لقد
جعل الله الإنسان خليفة في الأرض مصداقا
لقوله تعالى:(إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في
الأرض خليفة ) من سورة البقرة -رقم30- ، وهذه الخلافة قائمة على السعي و العمل
واكتساب الرزق بالطرق الشرعية ، ولقد حث القرآن على العمل و بين أنه ذو قيمة عظيمة
في حياة الإنسان ، قال تعالى :( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون )
و أكدت الأحاديث النبوية الشريفة على ضرورة العمل و طلب الرزق حتى لا يكون الفرد
منا عالة على مجتمعه يتجرع آلام الذل و المهانة . و في هذا قال الرسول صل الله
عليه وسلم :( اليد العليا خير و أحب عند الله من اليد السفلي ). وقد سما الإسلام بالعمل ، فلم يفرق بين
أنواعه يدويا كان أو فكريا ، بل جعله في مرتبة العبادة ، وفي هذا خالف الإسلام
نظرة الفلسفات القديمة إلى العمل اليدوي الذي جعلته عنوانا للعبودية و نوعا من
التكفير عن الذنوب .
إن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى
الحياة نظرة أكثر شمولا وتعتني بالنواحي الإنسانية عناية خاصة . وقد تضمنت هذه
الفلسفة خلافا للفلسفات الاقتصادية المعاصرة مبادئ عامة وقواعد لتنظيم الحياة
الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة لكل فرد في المجتمع ، ومن
بين هذه المبادئ :
الملكية الفردية : فالمكية الخاصة في الإسلام
مشروعة لكن ليست مطلقة كما هو الحال في الرأسمالية ، ولا مقيدة كما في الاشتراكية
، بل إنها محدودة بحدود الشريعة الإسلامية .ومن أدلة شرعيتها قوله تعالى
:( …و إن تبتم فلكم رؤوس
أموالكم لا تَظلمون و لا تُظلمون ) البقرة – الآية 277- وقوله تعالى :(
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ... ) البقرة – 186 - . وإقرار الإسلام الملكية الخاصة إنما هو مراعاة وتماشيا
مع الفطرة الإنسانية المحبة للتملك لقوله تعالى :
"و انه لحب الخير لشديد "
ولا يدخل في ملكية
المسلم المال الذي لا يكون حلال ، كالمتاجرة في لحم الخنزير و الخمر ، وكذا المال
الذي تكون طرق كسبه غير مشروعة كالربا والقمار . و الإسلام وهو يشرع الملكية
الفردية وضع التدابير الوقائية التي تمنع قيام الملكية الظالمة ، كحرمة الإفساد في
الأرض و طغيان بعض الناس فيستحلوا ما هو
حرام وينفرد ثلة من الأقوياء على كل شيء ويحرموا الضعفاء من كل شيء ،
ولتؤدي الملكية الخاصة وضيفتها الاجتماعية حرم الإسلام كنـز الأموال أو تبديدها أو
استعمالها في غير موضعها فأقر الحجر.
الزكاة : وهي ركن من
أركان الإسلام وهي فرض على الفرد المسلم ، ومن أدلة وجوبها قوله تعالى
:(
أقيموا الصلاة و أتوا الزكاة )
وقوله تعالى كذلك :( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
بها... ) الآية 103 التوبة
. وهذه الفريضة لا تأخذ إلا من المسلمين ولا تصرف الالفقرائهم . وقد حدد الشارع الأموال
التي تأخذ منها الزكاة وحدد مقدارها وكذلك من تصرف إليهم وهم الأصناف الثمانية
الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم . ولقد كان للزكاة الأثر الواضح في محو الفقر
وخاصة في عهد الخليفة الأموي ( عمر بن عبد العزيز ) , حيث كان بطاف بها في السواق على الدور فلم
تجد من يأخذها . كما كان للزكاة لها أثر
آخر تمثل في تطهير النفوس من الشح و البخل.
الملكية العامة : أذن الشارع للجماعة بالاشتراك
في الانتفاع بالعين ، فلا نختص فرد بحيازتها دون آخر ، وهذا ما ورد في قوله الرسول
عليه الصلاة و السلام : ( الناس شركاء في ثلاث :الماء و الكلأ و النار )
. وإقرار الإسلام للملكية الجماعية إنما يرمي إلى تحقيق أهداف منها : ضمان
الانتفاع بالثروة انتفاعا عادلا . تأمين الحاجات الأساسية لجميع الأفراد ، وضمان
استمرار حق المسلمين في الثروة
إن فلسفة الاقتصاد
في الإسلام نظرت للحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولية واعتنت بالنواحي الإنسانية
عناية خاصة , لقد تضمنت هذه الفلسفة وخلافا للفلسفات الاقتصادية المعاصرة مبادئ
عامة وقواعد لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من اجل تحقيق حياة متوازنة
لكل فرد في المجتمع . وحماية المجتمع
الإسلامي .
الخاتمة :
من خلال ما تقدم
تتبين أن وهكذا تكون فلسفة الاقتصاد في الإسلام قد رسمت معالم حياة اقتصادية
متكاملة تقوم على أسس أخلاقية وتجعل من الموارد الاقتصادية وسيلة لنمو الإنسان
وتطوره وتحقيق سعادته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق