طرح المشكلة : كما أنه شائع لدى الفلاسفة التجريبيين أن
المفاهيم والمعاني الرياضية نشأت نشأة حسية وهي بذلك مكتسبة غير أننا نجد بالمقابل
من يؤكد على أنها موجودة بالنفس بالفطرة ويبدوا أن هذه الأطروحة صحيحة لا شك فيها
غير أن تأييدنا المطلق لها يلزمنا بتقديم الأدلة والبراهين فكيف يمكن الدفاع عنها
وما هي الأدلة التي تؤكد صحتها ؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة : ينطلق
أصحاب هذا الطرح من فكرة مفادها : أن العقل حاصل بالفطرة على مجموعة من المبادئ يكشف
عنها التأمل فالعلم الإنساني عموما ينبع من العقل ولا يأتي من الخارج وهذه الفكرة
تصدق على المعاني الرياضية فهي صادرة عن العقل وموجودة فيه بشكل قبلي وتبنى هذه
الفكرة الفلاسفة العقليين الذين يسلمون بـ: الأصل الأول للعلم الإنساني ومصدره الأسبق هو العقل وليس التجربة والمعرفة
الحقيقية تعود إلى ما يميز الإنسان هو العقل لا الحواس فالعقل يحتضن الحقائق
المحروسة التي توفر المنطق الأول للمعرفة من مميزات الحقائق التي يحكم بها العقل
أنها كلية صادقة لا يتطرق إليها شك والحقائق العقلية ليست حكرا على المعرفة فحسب وإنما يتسع
نطاقها إلى مجالات أخرى .
وقد
اعتمد أصحاب هذا الموقف على جملة من الحجج منها : الملاحظة الحسية لا تكشف لنا عن
مجموعة من الأعداد فالمكان الهندسي واللانهائي كلها معاني رياضية عقلية مجردة لا
تدل على أنها نشأت عن طريق الملاحظة الحسية ولا أنها نسخة منها
ومن
مميزات المعرفة العقلية أنها مطلقة وضرورية وكلية الأمر الذي لا نجده في غيرها من
العلوم المستمدة من التجربة ويؤكد أفلاطون
من خلال نظرية المثل أن الإنسان عندما كان يحيا في عالم المثل كان على علم بسائر
الحقائق التي منها المعطيات الرياضية الأمر الذي تتصف بأنها ثابتة وأزلية وعند
مفارقته لهذا العالم نسي أفكاره فكان عليه أن يتذكرها ويدركها بواسطة الذهن فقط .
أما
ديكارت فيرى أن المفاهيم الرياضية هي معاني
فطرية أودعها الله فينا منذ البداية أما كانط فيرى أن مفهوم الزمان والمكان
مفهومان قبليان سابقان لكل تجربة .
عرض خصوم الأطروحة ونقدهم : يؤكد خصوم الأطروحة أن المعاني الرياضية نشأت
نشأة حسية تجريبية من تعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به في الواقع فكل معرفة
عقلية ماهي سوى صدى لادراكاتنا الحسية عن
هذا الواقع والعقل ماهو إلا صفحة بيضاء حيث يقول جون
ستيوارث ميل : "إن النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد
نسخ من النقط والخطوط المستقيمة والدوائر التي عرفها في التجربة " فالإنسان
مثلا جرد الخطوط المستقيمة من نزول قطرات المطر المتصلة .
نقدهم : لو كانت التجربة الحسية هي أصل المفاهيم
الرياضية لماذا لم توحي الأشياء التي نشاهدها إلى الحيوان من هذه المفاهيم فضلا عن
ذلك فإنه هناك من المعاني الرياضية المجردة لا يمد بأية صلة إلى الواقع الحسي .
الدفاع عن منطق
الأطروحة بحجج شخصية : إما أن تكون المفاهيم الرياضية فطرية عقلية أو مكتسبة حسية لكنها ليست مكتسبة
حسية إذن هي فطرية عقلية ذلك أن المتأمل للمفاهيم الرياضية يجدها كلما زادت في
التجريد ابتعدت عن الواقع حيث أننا لا نجد من المفاهيم الرياضية ما يقابلها على
أرض الواقع كالدوال واللانهائي والأعداد المركبة وغيرها .
حل المشكلة : استنادا إلى المبررات السابقة فإننا نتمسك
بصحة الأطروحة القائلة أن المفاهيم الرياضية فطرية في النفس هي أطروحة صحيحة ويمكن
الأخذ بها وتثبيتها .
�خصي: لكنني أرى أن النسيان حالة عادية وليس
مرضا وما يبرر ذلك موقف عالم النفس الفرنسي "هنري برغسونHenri Bergson
1941-1859 " الذي اعتبر النسيان حالة طبيعية يعيشها
الفرد إذ لا يتذكر من الماضي إلا ما كانت له علاقة بالواقع الذي يعيش فيه ,
فالإنسان لا يلتفت إلى الماضي إلا لحاجته للتكيف , إذ حاول برغسون إثبات أن
الحوادث السابقة لا تمحى , وأن الذكريات المنسية لا تتلف أبدا إضافة إلى أن للنسيان
فائدة كبيرة في تجاوز الذكريات الحزينة ولهذا يقول الكاتب الفرنسي شامفور :Chamfort 1740-1794( يجب أن نعيش حياتنا يوما بيوم و ننسى كثيرا ).الخاتمة:
وفي الأخير نقول أن النسيان المرضي مهما كانت أسبابه وطبيعته يعتبر ظاهرة سلبية معيقة لنشاط الفرد وفاعليته وهو على النقيض من النسيان الطبيعي العادي الذي تقتضيه الحياة اليومية وما يتخللها من أعمال ومشاكل لأننا لا نستطيع أن نتعلم شيئا جديدا إلا إذا نسينا مؤقتا تجاربنا وذكرياتنا الماضية ولولا هذا النوع من النسيان لما أستطاع الإنسان أن يتكيف مع المواقف الجديدة أو الطارئة يقول الباحث الفرنسي المعاصر جورج غوسدورف Georges Gusdorf في كتابه الذاكرة والشخص: ( النسيان شرط لاستمرار الوجود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق